وجهت كيم يو جونغ شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون التي ترأست وفد بلادها للألعاب الأولمبية الشتوية، وجهتدعوة للرئيس الكوري الجنوبي مون جاي لزيارة بيونغ يانغ. ونقلت وكالة الأنباء الكورية الشمالية يوم 13/2/2018 عن الزعيم كيم أنه تلقى تقريرا من شقيقته، وقوله "المهم مواصلة المزاج التصالحي والحوار الذي جاء نتيجة لإرادة قوية مشتركة بين الكوريتين وتطويره إلى نتيجة مميزة..، وقد عبّر عن رضاه وامتنانه للجانب الكوري الجنوبي...".
وقد رتب لقاء بين الوفد الكوري الشمالي مع بنس نائب الرئيس الأمريكي ولكنه ألغي. فأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية نويرت يوم 20/2/2018 "خلال زيارة مايك بنس لبيونغ تشانغ بمناسبة افتتاح الألعاب الأولمبية، كانت هناك إمكانية للقاء قصير مع قادة الوفد الكوري الشمالي، كان نائب الرئيس مستعدا لاغتنام هذه الفرصة من أجل التشديد على ضرورة تخلي كوريا الشمالية عن برنامجيها غير المشروعين للصواريخ الباليستية والنووية.. وفي اللحظة الأخيرة قرر مسؤولون من كوريا الشمالية عدم المضي قدما في اللقاء.. نأسف لعدم اغتنامهم هذه الفرصة".
ويظهر أن سبب الإلغاء هو تصريحات بنس قبل الاجتماع حول انتهاكات كوريا الشمالية لحقوق الإنسان واستعداد أمريكا لفرض عقوبات جديدة عليها بسبب برنامجها النووي والصاروخي. ويظهر أنها تريد مفاوضة الكوريين الشماليين من موقع القوي لئلا تظهر ضعفا أمام الرأي العام ولزيادة الضغوط عليهم، علما أنها راغبة في لقائهم للتفاهم والتصالح! وإلا فما الداعي لمحاولة نائب رئيسها الاجتماع معهم والتأسف على عدم لقائهم! والدليل قول بنس يوم 7/2/2018 أمام قوات بلاده الجاثمة في قاعدة يوكوتا باليابان "أمريكا ستسعى دائما للسلام وسنعمل أكثر من أي وقت مضى من أجل مستقبل أفضل..." قال ذلك وهو يتأهب للذهاب إلى كوريا الجنوبية في محاولة للقاء مسؤولي كوريا الشمالية تحت غطاء حضور افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ التي تبعد نحو 80 كلم عن الحدود مع كوريا الشمالية.
إن مسألة كوريا الشمالية تستخدمها أمريكا منذ أمد بعيد ضد الصين لحشد قواها ونصب الدرع الصاروخي "ثاد" حولها، وتطويقها بالدول المختلفة معها على الجزر والحدود البحرية والصيد كاليابان والفلبين وفيتنام وماليزيا وكذلك الحدود البرية مع الهند؛ وذلك لمنع الصين من الهيمنة على منطقتها في بحري الصين الجنوبي والشرقي.
ولكن عندما ملكت كوريا الشمالية السلاح النووي والصواريخ الباليستية بعيدة المدى فقد تغير الحال نوعا ما، فأصبح بمثابة استفزاز من قبل دولة صغيرة وتحدٍّ لأمريكا واستخفاف بهيبتها أمام العالم، فأخذت تعمل على نزعه أو احتوائه، فصار يهددها هي وحلفاءها في اليابان وكوريا الجنوبية في الوقت الذي تتخذه ذريعة لزيادة نفوذها في المنطقة لمجابهة الصين. وقد تبنت استراتيجة عام 2012 على نقل 60% من قوتها البحرية نحو هذه المنطقة.
ومع صعود ترامب إلى سدة الحكم اتخذ أسلوب التلويح بالحرب والتهديد بالقضاء على كوريا الشمالية. ولكنه غير جاد حاليا بسبب المخاطرة، وإنما هو لزيادة الضغوطات عليها وعلى الصين كالمثل القائل "إياك أعني واسمعي يا جارة". فالمستهدف الرئيس هو الصين لتنامي قوتها العسكرية التي تعتبر عنصر تهديد لأمريكا بجانب قوتها الاقتصادية كثاني اقتصاد في العالم بعد أمريكا.
إن كوريا الجنوبية واقعة تحت النفوذ الأمريكي ويرابط فيها 28500 جندي أمريكي، فلا يمكن أن تتصرف من دون إيعاز أمريكي، لأنها إذا تصرفت أي تصرف من دون إذنها والتنسيق معها يخالف ذلك وضعها ويربك السياسة الأمريكية ومخططاتها. فتكون خطوة دعوة كوريا الشمالية إلى الألعاب الأولمبية من أجل الألعاب السياسية، وتجاوبت معها لأنها تريد "مواصلة النهج التصالحي". وذلك لا يعارض سياسة الصين التي تريد هذا النهج أصلا، لأن التوتر في المنطقة يستهدفها.
ولأمريكا حسابات بعيدة المدى بينّها حزب التحرير في كتاب "مفاهيم سياسية"، وهي توحيد الكوريتين لتشكل منهما قوة تعادي الصين كما حصل عندما وحدت فيتنام الجنوبية التابعة لها مع فيتنام الشمالية التي كانت محسوبة على الصين فتشكلت منهما فيتنام التي أصبحت تعادي الصين. لذلك أنشأت في كوريا الجنوبية وزارة الوحدة بين الكوريتين وعملت على إيجاد منطقة صناعية بينهما لتشغل عمال الشمالية. وستبقى أمريكا تستفز كوريا الشمالية بالتهديدات والمناورات على حدودها وتعمل على توتير الأوضاع في محاولة لجعلها تخضع وتقبل بما تريده من حوار وسلام حسب شروطها.
ولكن كوريا الشمالية ترد هي الأخرى بتهديدات مختلفة وبإجراء تجارب على الصواريخ بعيدة المدى، وآخر تهديد لها جاء يوم 3/3/2018 ردا على المناورات التي تجريها أمريكا سنويا في شهر نيسان بقولها "ستواجه أمريكا وفقا لما تراه أسلوبا مناسبا كإجراء مضاد.. وأن التدريبات تضر بجهود المصالحة في شبه الجزيرة الكورية". وهكذا تستفز أمريكا كوريا الشمالية كل عام بالمناورات بالقرب من حدودها.
وأمريكا وهي تعمل على تحقيق أهدافها القريبة والبعيدة، تريد ضمان نفوذها والحيلولة دون هيمنة الصين على المنطقة وتزيد الضغوط عليها لتعديل ميزانها التجاري المائل لحساب الصين، إذ تجري بين يومي 2 و4/3/2018 اجتماعات بين وفد صيني برئاسة ليو خه كبير مستشاري الرئيس الصيني مع وزير الخزانة الأمريكي وغيره من كبار المسؤولين الأمريكين في واشنطن حيث قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض يوم 3/3/2018: "أبدينا قلقنا إزاء العجز التجاري وعدم المعاملة بالمثل للشركات الأمريكية وقضايا مرتبطة بنقل التكنولوجيا وعوائق أمام حرية دخول السوق الصينية". وذلك وسط مخاوف من اندلاع حرب تجارية بين البلدين بعد إعلان رئيسها ترامب يوم 1/3/2018 "فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم" مما أدى إلى هبوط سوق الأسهم وإلى أن يهدد الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات مضادة، ولكن الصين أعلنت يوم 4/3/2018 أنها "لن تتخذ إجراءات حمائية ولا تريد حربا تجارية" فذلك ليس في صالحها، وذلك بعد قول ترامب يوم 2/3/2018 "إن الحروب التجارية يسهل كسبها". فأمريكا تسعر الحرب التجارية بجانب تسعيرها للاستفزازات والتهديدات لكوريا الشمالية لكسب حرب النفوذ والتجارة ضد الصين.
إن أمريكا دولة استعمارية متغطرسة تمد يدها الآثمة على كل إنسان وتهدد كل كيان، فهي محور الشر تدور حوله كل الشرور، والصين شر أيضا، ولكنها أعجز من أمريكا، ولا يأتي منها خير ولا من أوروبا وروسيا اللتين لا تختلفان عن الأولتين. فكلها تجلب المآسي للعالم بسبب مبدأ الشر الرأسمالي نافث الوساوس الشيطانية. فلا ينقذ العالم من هذه الشرور إلا الإسلام الخير الذي يحرّم الاستعمار واستغلال الشعوب وسرقة ثرواتها وتكديسها في جيوب زمرة من الأثرياء، وهذا لا يتأتى إلا بوجود دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله.
رأيك في الموضوع