المتابع لما سبق اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير وما بعدها وما صدر من قرارات لن يعيا في الخروج بنتيجة حتمية بأن هذه القرارات لن تخرج إلا بطريقة ترسخ الخيبة لهذه المنظمة ووليدتها السلطة الفلسطينية.
تلك الخيبة تمثلت في أمرين:
الأول: هو استمرار اجترار المواقف الخيانية، فالقرارات التي صدرت تمسكت بالسلام والمفاوضات والمؤتمرات برعاية الدول المعادية للإسلام والمسلمين ولأهل فلسطين، على الرغم مما جرّته عملية السلام والاتفاقيات الخيانية من كوارث وجرائم بحق فلسطين وأهلها، فهي جعلت معظم فلسطين ومنها ما يسمى بـ(القدس الغربية) ملكا خالصا ليهود في حين يتم التفاوض على الباقي، وجعلت من السلطة وأجهزتها الأمنية حامية لكيان يهود، وحملت الأعباء الأمنية والمالية والاقتصادية والسياسية عن الاحتلال وجعلته أرخص احتلال في التاريخ باعتراف قادة السلطة أنفسهم، بينما يدفع أهل فلسطين الثمن من دمائهم وقوت عيالهم عبر الضرائب المتصاعدة يوما بعد يوم، في الضفة وغزة.
إن القبول بالتفريط ليس بطولة وإنما هو خيانة.
فليس من البطولة التمترس على نهج التنازل عن 80% من فلسطين لإقامة دولة فلسطينية بحسب الشرعية الدولية، وليس من البطولة الحفاظ على الاتفاقيات التي تعترف بكيان يهود، وتصوير الأمر بأنه قمة الصمود الوطني على بقايا تراب وطن يلعن من باعه وجعله في مهب رياح الدول الاستعمارية.
أما الثاني: فهو التراجع اللافت عن اتخاذ قرارات دراماتيكية، أو صدامية كما هو لسان حال كبار رجالات المنظمة والسلطة قبل تلك الاجتماعات بأسابيع وأيام.
فمن المعهود عن رئيس السلطة أنه لا يفجر القنابل السياسية، بقدر ما يبطلها.
ولطالما هدد رئيس السلطة بحلها وتسليم المفاتيح لكيان يهود، أو إلغاء اتفاق أوسلو، في مقصد يعني الرجوع إلى ما يعرف بحل الدولة الواحدة، وهو ما يشكل تهديدا لكيان يهود والذي يرفض هذه الفكرة.
بل وقررت إلغاء التنسيق الأمني مع المحتل قبل عامين، وهو ما لم ينفذ.
فهذه السلطة ورئيسها، يتجنبون مقاومة المحتل، بينما أكثر من يقاومه هو شعبه المبتلى بضرائب في الضفة لتوفير أمن أرخص احتلال في التاريخ، والمبتلى بالعقوبات وإغلاق المعابر في قطاع غزة الذي يعيش في أزمات لا متناهية.
فبطولات عباس وقوته إنما تمارس على أهل فلسطين لإضناك عيشهم فعليا، بينما لا تمتد يده على كيان يهود إلا من أجل حفظ أمنه.
أما أوروبا وإن كانت تعارض مضامين ما تطرحه أمريكا في صفقة القرن، حرصا على عدم تفرد أمريكا بالحلول، وعلى عدم التأثير على نظام الأردن الموالي لبريطانيا، إلا أنها لا تريد الاصطدام مع أمريكا بشكل فظ.
فلقد رفضت كل من فرنسا وبريطانيا طلب رئيس السلطة الذي زارهما، بالاعتراف بشكل منفرد بدعم إعلان دولة فلسطينية دون الرجوع إلى أمريكا، فأوروبا رغم معارضتها لأفكار ترامب وقراره بخصوص القدس، إلا أنها آثرت عدم الاصطدام بأمريكا.
وقد نقلت صحيفة الحياة اللندنية في 16/1/2018 أن خمس دول أوروبية قد طلبت من عباس عدم إلغاء اتفاق أوسلو، كما ونقل موقع صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 20/1/2018 أن مبعوث الرئيس الفرنسي ماكرون قد زار رام الله سرا قبل اجتماعات المجلس المركزي، والتقى بكبير مفاوضي السلطة صائب عريقات وماجد فرج مدير المخابرات، ونقل رسالة أمريكية للسلطة تدعوها فيه للتروي وعدم اتخاذ قرارات قوية، والانتظار حتى تطرح أمريكا خطتها بشكل رسمي.
بل إن الأردن وهو شريك السلطة في رفض قرار ترامب ومحاولات السعودية الترويج لأفكار أمريكا ترامب، قد بدى أكثر ارتخاء في الآونة الأخيرة، حيث صرح ملك الأردن في لقاء مع متقاعدين عسكريين بأن "القضية الفلسطينية ليست مسؤوليتنا وحدنا… ومصالحنا فوق كل الاعتبارات"، وهي محاولة للهرب من المواجهة مع أمريكا والسعودية وكيان يهود، وإيكال الأمر للسلطة مع إفراغ مواقفها من المضامين الحقيقية، حيث يعاني نظام الأردن من العجز المالي نتيجة الفساد ونتيجة الارتهان للمؤسسات الدولية التي تتحكم فيها أمريكا، وما أزمة الخبز الأخيرة إلا مثال على ذلك.
علاوة على ما ذكرته صحيفة القدس العربي بتاريخ 20/1/2018 عن وعود أمريكية تطمينية بإعطاء فرصة لمدة 20 شهرا قبل تنفيذ قرار ترامب، وأن السفارة لن تقام في (القدس الشرقية) وأن أمريكا ستستكمل دعمها للأردن والسلطة، وهو ما يعني تطمينا للأردن.
فأمريكا قد فوجئت بحجم المعارضة الدولية لقرار رئيسها المتعجرف ترامب حول القدس، خاصة من قبل الدول الأوروبية، حرصا على رؤيتهم للحلول التي تتضمن مصالحهم، لكنها لا تستطيع الوقوف بقوة في وجه أمريكا، التي بدأت تميل إلى تهدئة اللعبة قليلا.
فهذه الخيبات التي تكرسها منظمة التحرير ومجلسها المركزي، هي خيبات متوقعة، ولا عزاء لأصحابها، فهم الذين أبوا إلا أن يسلكوا مسلك التفريط، وأن يكونوا أدوات بيد الدول الكبرى.
وهذا لا يعني حاليا انتهاء ملامح هذا الصراع الدولي بين أمريكا ومشاريعها من جهة وأوروبا من جهة أخرى، لكنها محاولة للتهدئة المؤقتة، لاحتواء الموقف المحرج لأمريكا، فعلى سبيل المثال ما إن أعلن نتنياهو رئيس وزراء كيان يهود أثناء زيارته للهند يوم 16/1/2018 أن نقل السفارة سيتم في غضون عام، حتى رد عليه ترامب وأعلن أن نقل السفارة سيستغرق سنوات، فتراجع نتنياهو عن وعده.
إن هذه المنظمة ووليدتها السلطة، ما وجدت إلا لتكريس الخيانة بالتنازل عن معظم أرض فلسطين، فمجرد بقاء هذه السلطة هو أكبر بصمة شرعية كاذبة على بقاء كيان يهود واحتلاله للأرض والمقدسات.
إن أي خيار لجعل قضية فلسطين قضية وطنية هو خيار فاشل، سواء أكان بنهج المفاوضات، أم بنهج المقاومة المحصورة بأهل فلسطين والتي تعفي الأمة وجيوشها من الجهاد، بل وتأمل في الانضمام لمنظمة التحرير، خاصة بعد إصدار وثيقة حماس السياسية الأخيرة والتي تقبل بما قبلت به منظمة التحرير من قبل.
بقلم: الأستاذ حسن المدهون
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
رأيك في الموضوع