سؤال طالما راود الكثير من متابعي الأحداث المتعلقة بثورة الشام المباركة؛ وخاصة وسط زحمة الطروحات على الساحتين الإقليمية والدولية؛ وكثرة المبادرات والمؤتمرات الدولية، ووسط الأمواج المتلاطمة التي تتقاذف سفينة الثورة وعدم وجود ربان لها وفقدان البوصلة أو انحرافها.
لقد حرص الغرب الكافر منذ بداية الثورة على الإبقاء على تشرذم الفصائل وتمزقها؛ وجعل منها كيانات مستقلة بعد أن ربطها بماله السياسي القذر؛ هذا المال الذي حولها إلى فصائل وظيفية تؤدي أعمالا محددة ضمن خطوط حمراء فقدت على إثرها إرادتها وقراراتها الذاتية؛ ساعده فيما بعد على تحويل الصراع عن عميله طاغية الشام وإشغال الفصائل بنفسها واستنزاف طاقاتها، وانتهى بها الحال إلى عقد هدن مع عدوها المفترض (طاغية الشام) واقتتالها فيما بينها، وخوضها تصفيات دورية ليس آخرها ما حصل من اقتتال بين هيئة تحرير الشام من جهة وحركة نور الدين الزنكي من جهة أخرى والتي لا زال يدفع أهل الشام ثمنها غاليا من دماء أبنائهم واستمرارا لمعاناتهم، وليتحول اهتمامها إلى بسط النفوذ والسيطرة على مصادر المال من معابر داخلية وخارجية داخل المناطق المحررة إضافة إلى فرض ضرائب على المحال التجارية والسيطرة على مصادر الدخل.
فالثابت الوحيد عند قيادات الفصائل هو الاقتتال فيما بينها مع التغيير في الأشكال؛ فأزيحت فصائل لها وزنها عن الساحة كحركة أحرار الشام وجند الأقصى وجيش المجاهدين وحركة حزم وغيرها؛ ثم ما لبث أن اشتعل فتيل الاقتتال من جديد ولكن هذه المرة مع حركة نور الدين الزنكي، وبهذا يتبين أن الاقتتال بين الفصائل وكأنه قدر محتوم ليس فقط في ثورة الشام ولكن في أماكن متعددة من بلاد المسلمين من أفغانستان إلى العراق وفلسطين وصولا إلى ليبيا وغيرها من المناطق الأخرى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الجهة التي تتحكم في قرارات الفصائل العسكرية بعد أن سلبت إرادتها هي جهة واحدة اختلفت في الشكل واتفقت في المضمون؛ لتلعب اللعبة نفسها في أماكن مختلفة وبأدوات مختلفة من دول عميلة ومنظمات تابعة تؤدي الأدوار نفسها لتصل إلى النتيجة نفسها، تدمير ذاتي للفصائل بعد أن تنهي دورها المرسوم لها بعناية فائقة دون أن تشعر؛ بحسن نية أم بسوئها لا فرق في ذلك، وكان من أهم الحبال التي قيدت فيها الفصائل في جميع الأمكنة ومنها أرض الشام هو حبل الدعم والمال السياسي القذر؛ بالإضافة إلى الإبقاء عليها مشرذمة ذات رؤوس متعددة ليسهل على الغرب تفكيكها والقضاء عليها بضرب بعضها ببعض تحت ذرائع متعددة، ثم إن التزام قيادات الفصائل بالخطوط الحمراء جعل من القتال ضد طاغية الشام حالة عبثية تراق فيه دماء المسلمين لتحصيل مكاسب ثانوية؛ على فرض اعتبارها مكاسب؛ مع الكم الهائل من التضحيات على كافة المستويات، وهذا الأمر بات يدركه الجميع، مما أوجد حالة من النقمة الشعبية على قيادات الفصائل وهم يرون التوتر ينخفض تدريجيا مع طاغية الشام ويعلو بين الفصائل، كما يرون اجتياح بعض الفصائل للمناطق المحررة التي يسيطر عليها الفصيل الآخر في الوقت الذي تعيش فيه المناطق المحسوبة على طاغية الشام بأمان تام كجزيرة آمنة وسط بحر مسجور من المناطق المحررة، هذا على الصعيد العسكري،
أما على الصعيد السياسي فالتغيير حاصل في الأساليب وليس في الأهداف، فالغرب الكافر يسعى منذ انطلاقة ثورة الشام المباركة إلى هدف وحيد وهو القضاء على هذه الثورة اليتيمة، ويتبع في ذلك أساليب مختلفة تجلت في كثرة الطروحات والمبادرات وكم هائل من المؤتمرات واللقاءات؛ التي أثارت عاصفة من الغبار أعمت الكثير من العيون عن رؤية هذا الهدف مما جعلها توجه أنظارها إليه كمخلص لأهل الشام وموجد لحل يخرج الناس من وسط الموت الجماعي والممنهج الذي يقف هو خلفه ويدعم مرتكبيه في مفارقة عجيبة تدل على انعدام للوعي؛ وواقعية سياسية مقيتة تجعل من الغاية تبرر الوسيلة منهاجا؛ ومن التنازلات سلما للنجاة، حتى بات الحديث عن رحيل قاتل الأطفال والنساء والشيوخ أمراً من الماضي؛ وذلك بضغط ممن زعم دعم ثورة الشام للقضاء على طاغيتها، وبات الحديث عن توحيد المنصات أمراً لا مفر منه، وأصبحت المشاركة في حكومة يقودها طاغية الشام مع تغييرات دستورية وانتخابات شكلية صلب العملية السياسية ومحور الحل السياسي!!
إنه ومع هذه الحال التي وصلت إليها ثورة الشام لا يسعنا إلا أن نقول إنها تسير بخطاً سريعة نحو الهاوية، وللأسف بيد أبنائها الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا فكان لزاما على أهل الشام أن يدركوا المخاطر التي تحيق بهم وأن يسارعوا إلى تجنبها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فدماء مئات الآلاف من الشهداء على المحك وسنُسأل عنها يوم القيامة، والخروج من هذا الوضع يتطلب منا خطوات واسعة سريعة تنهي مصادرة القرارات بقطع حبل الدعم الذي قيدت به الجهات الداعمة قيادات الفصائل؛ والاعتصام جميعا بحبل الله المتين خلف قيادة سياسية واعية ومخلصة؛ تقود سفينة الثورة وتصحح مسارها حتى تصل بها إلى بر الأمان بما يرضي الله عز وجل؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، وهذا الحل يتطلب منا إيمانا صادقا بأن النصر من عند الله وليس من عند الغرب الكافر، وبأن الله عز وجل ناصر دينه ولو بعد حين، وبأنه وعدنا ووعده الحق فقال عز من قائل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
بقلم: أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع