(مترجم)
أفادت وسائل الإعلام العالمية أن قوات حرس الحدود الروسية قامت في 7 آب/أغسطس بإغلاق مفاجئ للحدود بين أوكرانيا وشبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا.
وفي 9 آب/أغسطس أعلنت وزارة الداخلية في شبه جزيرة القرم في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة خطة "القلعة" بما يتصل بالبحث عن خمسة مخربين. وقد ذكرت وسائل الإعلام الروسية أن ضباط جهاز الأمن الاتحادي عثروا في 7 آب/أغسطس على "مجموعة مسلحة" بالقرب من مدينة أرميانسك. فقد أعلنت روسيا في بيان: "كانت هناك خسائر بين الجنود الروس خلال الاشتباكات. وقد قامت قواتجهاز الأمن الاتحاديووزارة الداخلية وقوات الدائرة الاتحادية الروسية التابعة للحرس الوطني بإغلاق المنطقة".
وقد أعلن جهاز الأمن الاتحادي الروسي في 10 آب/أغسطس أنه تم القبض على قوات تابعة للقوات الخاصة الأوكرانية الذين زُعم أنهم يعدون لهجمات إرهابية في شبه جزيرة القرم. ونشرت وسائل الإعلام أشرطة فيديو قدمتها المخابرات الروسية تظهر الأماكن حيث قام المخربون بتخزين 20 عبوة ناسفة بدائية، وكذلك ذخيرة وقنابل يدوية وأسلحة وأنواع مختلفة من الألغام. وفي اليوم نفسه وخلال مؤتمر صحفي في موسكو اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كييف بانتقالها "لممارسة الإرهاب"، وقال إنه لا معنى لإجراء مزيد من المفاوضات بشأن تسوية النزاع في دونباس. فقد قال: "في الحقيقة، منعت أجهزتنا الاستخبارية مجموعة تخريب واستطلاع تابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية من التسلل إلى شبه جزيرة القرم. في هذه الحالة، لن يكون هناك أي معنى للقاء نورماندي في الوقت الراهن وخاصة في الصين... وإذا حكمنا من خلال الوضع الراهن، فإن الذين استولوا على السلطة في كييف في ذلك الوقت ولا يزالون يتمسكون بها حتى الآن، لا يبحثون عن حلول وسط، وبدلا من العمل من أجل التوصل إلى حل سلمي قرروا اللجوء إلى الإرهاب... لا يمكننا تجاهل مثل هذه الأمور بطبيعة الحال". وبعد وقوع الحادث مباشرة تم إرسال قوات روسية إضافية وعربات مدرعة إلى شمال شبه جزيرة القرم.
وقد نفت وزارة الدفاع الأوكرانية في 11 آب/أغسطس هذه الاتهامات من الجانب الروسي متهمة إياها بالتخريب وأعلنت أن تبادلًا لإطلاق النار وقع بين الجيش الروسي ودائرة الحدود التابعة لجهاز الأمن الاتحادي الروسي.
ويمكن في خضم كل هذه الأحداث تتبع دور الجانب الروسي، والذي على ما يبدو يتقصد عمدًا أن تتفاقم الأوضاع. وتفاصيل الحادث على الحدود قادت في الواقع إلى الكثير من الأسئلة، لأن رواية الأحداث التي تنشرها السلطات الروسية مليئة بالتناقضات، والأهم من ذلك، فإن الدافع المزعوم للسلطات الأوكرانية التي كانت تعد (وفقا للرواية الروسية) لتنظيم هجمات إرهابية في شبه جزيرة القرم غير معقول على الإطلاق. هناك أيضًا تأكيد إضافي على عزم روسيا العمل على تفاقم الأوضاع؛ تصريحات بوتين الهجومية والتي اتهم فيها السلطات الأوكرانية بالإرهاب، وتشكيكه بجدوى عقد اجتماع "نورماندي"، حتى إنه اتهم مرة أخرى الحكومة الحالية باستيلائها على السلطة في البلاد، وذلك على الرغم من تخلي السلطات الروسية عن مثل هذا الخطاب منذ فترة طويلة.
وينبغي أيضًا أن يؤخذ في الاعتبار الأحداث التي وقعت بين روسيا وأوكرانيا قبل وقوع الحادث على الحدود مع شبه جزيرة القرم. فقد وافق البرلمان الروسي في 29 تموز/يوليو على اقتراح وزارة الخارجية الروسية بترشيح ميخائيل بابيتش لمنصب السفير الروسي في أوكرانيا. وقد أقيل السفير السابق ميخائيل زورابوف في اليوم السابق بمرسوم من الرئيس بوتين. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن زورابوف، على الرغم من حالة الحرب الفعلية بين أوكرانيا وروسيا، يقيم علاقات جيدة جدًا مع السلطات الأوكرانية وعلاقات شخصية مع الرئيس بوروشينكو. وقد بنى بابيتش في البداية مهنته في القوات المسلحة التابعة للاتحاد الروسي وجهاز الأمن الفيدرالي، على الرغم من أنه قد شغل في السنوات الـ 20 الماضية مناصب سياسية مختلفة في الحكومة الروسية والحكومات والإقليمية. كما أنه ترأس حكومة الشيشان في الفترة بين 2002 و2003، وكان يعتبر هناك عضوًا في جهاز الأمن الفيدرالي. ودور سفير روسيا في أوكرانيا يتمتع بخصوصية، فهو يشبه تقريبًا دور سفراء الولايات المتحدة في مختلف الدول. فسفير روسيا في كييف هو المسؤول عن تنسيق أنشطة القوى السياسية الموالية لروسيا في أوكرانيا، وبطبيعة الحال، فإن استبدال بابيتش الضابط في جهاز الأمن الفيدرالي بالسياسي المدني زورابوف لا يعتبر شيئًا جيدًا للسلطات الأوكرانية. لذلك كان رد الجانب الأوكراني تجاه التغيير قويًا للغاية، ورفض الموافقة على التعيين الجديد. فقد صرحت إيلينا زيركال، نائبة وزير الشؤون الخارجية في أوكرانيا، في 3 آب/أغسطس بقولها: "هذه القضية هي خارج جدول الأعمال فقد تمت إزالته". كما أنها قالت إن غياب السفير لن يؤثر على تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. وبالتالي، فإنه يمكن أن تُلمس بسهولة الرغبة الروسية لإثارة رد فعل السلطات في أوكرانيا لتغطية نيتها في تفاقم العلاقات حتى قبل وقوع حادث "المخربين".
ولكن ما هي أهداف الكرملين من تفاقم الأوضاع مع أوكرانيا، بينما روسيا، على ما يبدو، وعلى العكس من ذلك، يجب أن تكون مهتمة بتهدئة العلاقات؟ إن الجواب يكمن في تصريحات بوتين التي أدلى بها في 10 آب/أغسطس فورًا بعد "الكشف عن عمليات التخريب" على الحدود مع شبه جزيرة القرم. فقد أجاب على أسئلة الصحفيين حول احتمال عقد لقاء "نورماندي" خلال قمة مجموعة الـ 20 في أيلول/سبتمبر في الصين: "في هذه الحالة، لن يكون هناك أي معنى للقاء نورماندي في الوقت الراهن وخاصة في الصين... ومع ذلك، أود أيضًا أن أناشد شركاءنا الأمريكيين والأوروبيين. وأعتقد أنه من الواضح الآن للجميع أن السلطات في كييف اليوم لا تبحث عن حل لهذه المشكلة من خلال المفاوضات، ولكن من خلال اللجوء للإرهاب. إن هذا تطور مقلق للغاية". لذلك فإن الهدف من كل ما تقوم به روسيا هو فرض أجندتها على المحادثات، أو حتى إفشال الاجتماعات الدولية حول القضايا الأوكرانية بشكل تام. فروسيا بحاجة إلى ذريعة جيدة للتملص من صيغة "الرباعية النورمندية" (ألمانيا، وفرنسا، وروسيا وأوكرانيا)، وفي أقرب وقت ممكن لوقف اعتبار الصراع صراعًا في أوكرانيا، وحتى تلعب دور الضحية للإرهاب، وإظهار حكومة أوكرانيا باعتبارها حكومة معتدية وغير متعاونة.
فالدوافع الروسية واضحة. في الواقع، من الواضح أن روسيا تريد فترة أطول حتى تخرج من المأزق السياسي الجغرافي الذي وقعت فيه بعد ضم شبه جزيرة القرم والحرب في جنوب شرق أوكرانيا، أي أنها لا تريد أن تظهر بصورة الدولة المجرمة والتي تنتهك بشكل فاضح القانون الدولي. وهي تريد أن لا توصف بالطرف المذنب بعد الآن، ولا أن يتذكر أحد جرائمها بحيث تتوقف جميع الاجتماعات الدولية بشأن هذا الموضوع، وأن تصبح مشكلة دونباس مشكلة أوكرانية داخلية فقط. وهدف روسيا النهائي في هذه الحالة يكمن في حقيقة رغبة روسيا في تجميد الأوضاع في أوكرانيا، وأن تصبح بلا أي معنى، وأن تصبح على غرار الوضع في ترانسنيستريا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وناغورنو كاراباخ، وبحيث تصبح البيانات الدورية الأوكرانية الداعية لعودة أراضيها تحت سيطرتها تصريحات رسمية لا معنى لها، مثل التصريحات التي يطلقها بشكل منتظم قادة مولدافيا وجورجيا وأذربيجان.
بقلم: محمد منصور
رأيك في الموضوع