شهدت قاعدة أندروز الجوية في ولاية ميريلاند الأمريكية يومي الأربعاء والخميس 20-21 من شهر تموز/يوليو الجاري قمّة عسكرية هي الأولى من نوعها، إذ شارك فيها وزراء دفاع ووزراء خارجية وقادة عسكريون لأكثر من ثلاثين دولة عضو في التحالف الدولي العدواني بقيادة الولايات المتحدة، والهدف المعلن لهذه القمّة هو وضع استراتيجية شاملة لدحر تنظيم "الدولة الإسلامية" حسب ادعائهم.
ترأس الجانب العسكري التقني في القمّة الجنرالان مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية ولويد أوستن رئيس القيادة الأمريكية الوسطى للشرق الأوسط وآسيا الجنوبية، وترأس الجانب العسكري السياسي فيها آشتون كارتر وزير الدفاع وجون كيري وزير الخارجية للولايات المتحدة.
شرح آشتون كارتر للمؤتمرين الأهداف الأمريكية للتحالف فقال: "هناك ثلاثة أهداف رئيسية للتحالف وهي: تدمير المعقل الرئيسي لتنظيم داعش (الوَرَم) في العراق وسوريا، ومواجهة ومطاردة عناصره في الأجزاء الأخرى من العالم، ودعم جهود الحكومات المحلية في حماية شعوبها بالتعاون العسكري والأمني والاستخباري"، وأشار إلى توصل وزراء الدفاع في الدول المشاركة إلى اتفاق يتضمّن "إنهاء سيطرة داعش على مدينتي الموصل العراقية والرقّة السورية"، ووضّح أنّ الاستراتيجية الموضوعة لتحقيق هذا الهدف "تستهدف محاصرة عناصر التنظيم في معقلهم في الرقّة في سوريا، وفي الموصل في العراق"، وبيّن أنّ دول التحالف قد وضعت قبل عام خطة الحملة العسكرية في العراق وسوريا تحت قيادة واحدة، وفوّضت الجنرال شون ماكفارلاند قائداً للعمليات، واعتبر أنّه قد حان الوقت الآن لتقديم المزيد من الدعم لهذه الخطة.
أمّا جون كيري فحثّ أعضاء التحالف على تعزيز تبادل المعلومات فيما بينها وقال بـأنّ "هناك حاجة لتكثيف الجهود وإزالة القيود الهيكلية للسماح بمزيد من تبادل المعلومات عن التهديدات"، وأضاف: "إنّ اجتماع واشنطن سعى إلى تجاوز الحواجز البيروقراطية لتسهيل تبادل المعلومات الاستخبارية بين الدول الأعضاء بالتحالف"، وخوّف كيري المشاركين من تنظيم الدولة حتى بعد طرده من معاقله فقال: "إنّ تنظيم داعش مرن وواقعي بما فيه الكفاية، وسيقوم بتحويل نفسه من دولة زائفة إلى نوع من الشبكة العالمية غرضها الحقيقي والوحيد قتل أكبر عدد ممكن من الناس في أكثر عدد من الأماكن".
وبالنسبة لتمويل الحرب ضدّ التنظيم فإنّ السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة سامانثا باور أبلغت المانحين بأنّه يتعين عليهم أنْ يزيدوا من مساهماتهم المالية على الفور، وقالت: "إنّ الالتزامات التي قُطِعت اليوم يجب الوفاء بها سريعاً وبشكلٍ كامل، ففي كل حملة إنسانية في الآونة الأخيرة شاهدنا كثيراً من المانحين يُبالغون في الوعود ويتقاعسون في التنفيذ".
من الواضح ومن خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين في القمّة، أنّ أمريكا تقوم بابتزاز قادة البلاد العربية والإسلامية المشاركة معها في التحالف في كل شيء حتى النخاع، فمن الناحية العسكرية بيّن كارتر للمسؤولين العرب أنّ حماية شعوب دولهم وعروشهم تستلزم التعاون العسكري والأمني والاستخباري الكامل مع أمريكا، وشدّد كيري على ضرورة إزالة القيود الهيكلية للسماح بمزيد من تبادل المعلومات، بحيث لا تبقى أية معلومة - ولو صغيرة - غائبة عن الاستخبارات الأمريكية، وخوّفهم من خطورة تنظيم الدولة على دولهم في المستقبل إنْ لم يتعاونوا معها بشكلٍ كامل، وأمّا السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة فعالجت الجانب المالي للعلاقة بين تلك الدول وأمريكا، فطالبتهم بدفع الأموال عاجلاً وبشكلٍ مباشر لتمويل الحملة التي تقودها أمريكا ضد التنظيم، وحذّرتهم من مغبة التلكؤ في الدفع، ومن العواقب الوخيمة في حال تأخرهم عن السداد.
تُريد أمريكا أنْ تُحقّق نوعاً من الإنجازات ضد تنظيم الدولة لِتكون أكثر إقناعاً في ابتزاز الحكام الخانعين أمام شعوبهم، لكنّ هذا التقدّم لا يعني إنهاء التنظيم كُلياً، فهي ما زالت تستفيد منه كثيراً، وما زالت تقود التحالف بحجة وجوده، لذلك فمن غير المُتوقّع أنْ تقضيَ عليه نهائياً، ولو أرادت لفعلت ذلك منذ زمن بعيد، لكنّها تُريد أنْ تُظهر إنجازات ملموسة في دحره.
فأي هوانٍ هذا الذي ابْتُلِيت به شعوبنا بسبب هذه الأنظمة التابعة العميلة؟ وأي خيانةٍ يرتكبها هؤلاء الزعماء بحق شعوبهم، وأي بلاهةٍ يتصفون بها؟
فأمريكا تصنع لنا تحالفاً دولياً، وتُقيم في بلادنا القواعد العسكرية، وتقود جيوشنا في حربها المزعومة ضد تنظيم الدولة لسنوات طويلة، يتم تمويلها من أموالنا وثرواتنا، وتُقدّم هذه الدول الهزيلة لأمريكا - بسبب هذا التنظيم - كل المعلومات الاستخبارية مجّاناً، يقع علينا كل هذا الذل وذاك الصّغار بذريعة وفِرية محاربة تنظيم صغير تعجز كل جيوش بلادنا عن محاربته، فتستعين بأمريكا الدولة المُستعمِرة المجرمة كي تقوم بقيادتنا لمحاربته على حساب دماء شعوبنا، وأشلاء أبنائنا، وقوت عيالنا.
فلو كان لدى هذه القيادات العميلة قرارٌ مستقلٌ لوفّرت على نفسها كل هذا العناء، ولقامت هي بمعالجة مشاكلها الصغيرة هذه التي تمّ تضخيمها، ومن دون اللجوء إلى أمريكا أو إلى غيرها، فلدينا المال والعتاد والجنود، ولا ينقصنا إلاّ اتخاذ القرارات الحاسمة، لكنّ المسألة أبعد من ذلك، فالمسألة أنّ هؤلاء الحكام هم أجراء للكافر المستعمر، وأنّ أمريكا استغلت وجود مثل هذه التنظيمات، فهوّلت من شأنها، وجاءت بهذه الذريعة إلى منطقتنا بقضّها وقضيضها، لتسيطر عليها سيطرة مطلقة، ولتفرض نفوذها كاملاً فيها، وتمنعها من التحرّر من قبضتها، وتُحبط ثوراتها، وتُبقيها تحت سيطرة عملاء يتبعون لها، فهذه هي العبارة بأبسط وأوجز معانيها.
أمّا بالنسبة لوجود دول كبرى إلى جانب أمريكا مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا في التحالف فتلك مسألة أخرى، فهذه الدول تعلم نوايا أمريكا، وتُدرك مرامي سياساتها الخارجية، وهي تدخل معها لتأخذ نصيبها من كعكة النفوذ، وأمريكا تحتاج إليها لِتُمارس دور القيادة العالمية بمشاركتها، ولِتُمْنَح الشرعية الدولية لأعمالها الاستعمارية، لذلك قامت أمريكا بإطلاع هذه الدول على أعمال قمّة أندروز قبل موعد انعقادها، وكشفت لها عن بعض التفاهمات السرّية بينها وبين روسيا، حيث التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي في لندن قُبَيْل القمّة، وأطلعهم على جانبٍ من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وتقاسم معهم الأدوار، كلٌ بحسب ثقله ونفوذه، وكنّا نحن - كالعادة - أكبر الخاسرين إن لم نكن الخاسرين الوحيدين، لا لشيء إلاّ بسبب نذالة حكّامنا وخسّتهم وخيانتهم وعمالتهم.
رأيك في الموضوع