لأول مرة تقر فرنسا رسميا على لسان رئيسها أولاند بوجودها العسكري في ليبيا فقال يوم 20/7/2016: "إن ليبيا تشهد حالة من عدم الاستقرار المخيف في هذه الفترة... حيث تقوم القوات الفرنسية بعمليات استخباراتية صعبة في ليبيا"، وذلك على إثر الإعلان عن مقتل ثلاثة جنود لها في حادث إسقاط مروحية يوم 17/7/2016، واكتفت وزارة دفاعها بنعيهم وأصدرت بيانا مقتضبا قالت فيه بأنهم "كانوا في مهمة خاصة في ليبيا" وأقرت بأن "القوات الخاصة الفرنسية تقوم يوميا بعمليات خطيرة ضد الإرهاب".
لغاية هذا الاعتراف الرسمي كانت فرنسا تكتفي بالإعلان عن وجود طائرات استطلاع لها تحلق في سماء ليبيا "لأغراض استخباراتية". ولكن صحيفة لوموند الفرنسية كشفت في أواخر شهر شباط الماضي عن وجود قوات فرنسية خاصة في شرق ليبيا، وأن هناك ضربات جوية منسقة الأهداف بين فرنسا وأمريكا وبريطانيا لمنع توسع تنظيم الدولة. وقبل شهر تقريبا نشر موقع "هافينغتون بوست" تقريرا كشف فيه عن وجود قاعدة عسكرية غربية قرب بنغازي لدعم الجنرال خليفة حفتر، وبالتحديد في منطقة "بنينة" العسكرية، حيث يتمركز فيها ما لا يقل عن 40 جندياً فرنسياً وعدد من القوات البريطانية والإيطالية بجانب قوات عربية من دولة الإمارات والأردن.
وذكرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية عقب اعتراف فرنسا رسميا بوجودها العسكري في ليبيا بأن "تقارير تتحدث عن مشاركة قوات بريطانية وأمريكية في عمليات داخل ليبيا" وذكرت سبب إخفاء ذلك، حيث قالت إنه "بسبب تعقد الوضع تتجنب فرنسا وحلفاؤها الانخراط رسميا ما دامت حكومة الوفاق الليبية لم تتقدم بطلب بهذا الشأن"، ما يعني أن هناك قوات استعمارية أخرى وقوات من عملائها موجودة في ليبيا وتقوم بأعمال قذرة هناك، وأن الحكومة الوطنية التي أسستها الدول الاستعمارية لديها علم بكل ذلك، ولكن بسبب عدم تقدمها بطلب رسمي للحكومة لم تعلن عن وجودها هناك. والغريب أنها الآن تعلن رسميا بعدما تكشف الأمر بمقتل جنودها الثلاثة ولم تقدم طلبا رسميا بعد للحكومة الوطنية! وتريد فرنسا أن يصبح وجودها مقبولا عرفاً، وصحفها تكشف عن وجود القوات الأمريكية والبريطانية لتبرر وجودها وتجعله مقبولا ولو لم يتم تقديم طلب رسمي.
ويظهر أن الحكومة الليبية لديها علم وموافقة ضمنية ولكنها لم تتكلم عن الموضوع، لأنها لا تستطيع أن تقبل بوجود قوات أجنبية رسميا بسبب عدم استقرار وضعها وخوفا من ردة الفعل الشعبية وخوفا من أن تستغله أمريكا بصورة رسمية حتى تضغط وتعزز وجودها في ليبيا بذريعة تنظيم الدولة، وهي التي تطالب بالتدخل العسكري منذ سنتين، والأوروبيون يرفضون لأن لهم وسطاً سياسياً عميلاً قوياً في ليبيا، والشعب رافض لأي تدخل أجنبي حيث خدع عندما حصل هذا التدخل أثناء العمل على إسقاط القذافي وسرقت منه الثورة وأصبح وقودا لهذا الصراع الاستعماري بين أمريكا وأوروبا. ويفهم أن لدى حكومة الوفاق علماً بوجود فرنسا وغيرها، من ردة فعلها الباهتة حيث عبرت عن استيائها، وذلك لرفع العتب، وجاء ذلك متأخرا بعد اعتراف فرنسا بوجودها العسكري رسميا، حتى إنها لم تستنكر ولم تطلب من القوات الفرنسية المغادرة على الفور، بل يفهم أنها على علم وأنها متواطئة من قولها إنها "تجدد ترحيبها بأية مساعدة أو مساندة تقدم من الدول الشقيقة والصديقة في الحرب على تنظيم الدولة ما دام ذلك في إطار الطلب منها وبالتنسيق معها بما يحافظ على السيادة الوطنية لكونها الجسم الشرعي الوحيد في البلد". أي أنها راضية ضمنيا وعلى علم مسبق، ولكنها تطلب التنسيق معها، وهي ترحب وإن لم يتم تقديم طلب رسمي. ولهذا عندما خرجت المظاهرات الشعبية في طرابلس والمدن الليبية منددة بالتدخل الفرنسي قائلة "لا للاستعمار الفرنسي" نددت بموقف الحكومة الليبية مشيرة إلى تواطؤها.
والجدير بالذكر أن بريطانيا وفرنسا عرقلتا استصدار قرار من مجلس الأمن بالتدخل العسكري في ليبيا، حيث كانت أمريكا تريد استصدار مثل هذا القرار، ولذلك لجأت أمريكا إلى التدخل دون إطار مجلس الأمن، حيث أعلنتوزارة دفاعها بأن الضربات الجوية الأمريكية الأولى استهدفت قائدا في تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا يوم 13/11/2015. وأعلن مسؤول أمريكي في البنتاغون يوم 18/12/2015 أن فرقة كوماندوز أمريكية وصلت يوم 14/12/2015 إلى قاعدة "الوطية" جنوب طرابلس التي تسيطر عليها قوات حفتر ومن ثم خرجت. وذكرت بوابة إفريقيا الإخبارية يوم 8/1/2016 أن "القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا أعلنت رسميا تدخلها العسكري في ليبيا وفق خطة عمل مدتها 5 سنوات، ترمي إلى تشديد الخناق على الجماعات الإرهابية في أفريقيا وتحديدا في ليبيا". وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت يوم 8/3/2016 أن "وزارة الدفاع الأمريكية قدمت للبيت الأبيض خطة الشهر الماضي لشن ما يصل إلى 40 ضربة جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا لكن جرى تأجيل الخطط انتظارا للجهود الدبلوماسية". وقد شنت أمريكا غارة على معسكر في ليبيا في شهر شباط الماضي فقتلت 49 شخصا. مما يدل على أن أمريكا أصبحت في ليبيا وأنها مصرة على التدخل والقيام بحربها القذرة، مخالفة لما يسمى بالشرعة الدولية التي تعزف عليها عندما تشاء، وتغرد في سرب آخر عندما لا تتمكن من استعمال المعزوفة الأممية الكاذبة.
ولهذا السبب استعدت بريطانيا وفرنسا للقيام بالتدخل العسكري في مواجهة أمريكا بذريعة محاربة الإرهاب حيث نشرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية يوم 12/12/2015 تقريرا يستند إلى مصادر في وزارتي الدفاع والخارجية حول "استعدادات بريطانية بالتعاون مع حلفاء أوروبيين للتدخل العسكري في ليبيا لمواجهة زيادة خطر الجماعات الإرهابية، وإن التدخل العسكري قد يبدأ بإرسال دعم عسكري ومعدات إلى ليبيا لكنه ينتظر حكومة وحدة وطنية وشاملة في البلاد". أي أنها تريد أن تحافظ على نفوذها وتواجه التدخل الأمريكي الساعي للسيطرة على ليبيا وإخراج النفوذ الأوروبي أو إضعافه إلى قدر ما تستطيع إضعافه.
وبما أن العميل حفتر سمح للقوات الأمريكية أن تستبيح أرضه وتنزل عنده في المناطق التي يسيطر عليها وهو يتصل بالأوروبيين وعملائهم لينال تأييدا عسكريا وسياسيا وإعلاميا فقامت القوات الأوروبية مع عملائهم في الأردن والإمارات بالتواجد هناك للتوازي والتباري مع التدخل الأمريكي ومن ثم مراقبته، وليكن عميل الأمريكان مفضوحا بقبول التدخل الاستعماري وليس حكومة الوفاق الموالية لأوروبا.ولذلك اضطرت قوات حفتر إلى أن تعلن على لسان قائد السلاح الجوي التابع لها العميد صقر الجروشي يوم 20/7/2016 بقولها: "إن الفرنسيين الثلاثة جزء من قوات خاصة فرنسية وبريطانية وأمريكية داعمة لقوات حفتر في بنغازي منذ أكثر من عام لمراقبة تحركات تنظيم الدولة". فهي تفضح الجميع كما تفضح نفسها وخيانتها، فيظهر أن قناع الحياء سقط نهائيا فلم يعد يهمها أن تعلن أنها تسمح للقوات الاستعمارية أن تستبيح البلاد وتقتل العباد من أبناء الشعب الليبي، لأن ما يهم حفتر أن لا يموت بحسرته قبل أن يصبح سيسي ليبيا مهما كلف الأمر!
ومن المعلوم أن بريطانيا وفرنسا استطاعتا استصدار قرار 2292 في مجلس الأمن يوم 14/6/2016 الذي يمنح قوات عملية "صوفيا" البحرية التابعة لأوروبا صلاحيات مراقبة وتفتيش السفن والقوارب لمحاربة تهريب السلاح عبر الشواطئ الليبية بتنفيذ حظر السلاح المفروض على ليبيا، وذلك بالتشاور مع حكومة الوفاق الوطني، وخلال فترة زمنية مدتها عام واحد بدأت من يوم اتخاذ القرار. فهذا القرار عزز الوجود الأوروبي حول ليبيا مما يقويه ويمده داخلها، فالذي يحوم حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وقد أعلن عن وقوعه فيه وقيامه بعمل الحرام في إحدى بلاد الإسلام.
إن ما يسمى بحكومة الوفاق الوطنية تابعة لأوروبا، وهي مؤيدة للتدخل الأوروبي، وتعلم أنه موجود على أرض ليبيا لدعمها ولحمايتها من التدخل الأمريكي الداعم لمنافسها حفتر حتى تحافظ على النفوذ الأوروبي الاستعماري في ليبيا وليس لوجه الله، ولذلك فهذه الحكومة خائنة مثلها مثل حفتر. فوجب على الشعب الليبي الغيور على بلاده الإسلامية أن يسقط حفتر وحكومة الوفاق معا، لأن هذين الطرفين تابعان للقوى الاستعمارية، وسمحا لها باستباحة أرضه سواء علنا أو ضمنا، ومن الطرق التي يجب أن تتبع؛ أن ينفضَّ كل من انخرط من أهل ليبيا مع هذا أو مع ذاك عنهما، وأن يعود الناس ويتأملوا في الوضع وكيفية الخلاص ويبحثوا عن المخلصين الواعين ليرشدوهم وليعملوا معهم حتى ينقذوا هذا البلد الإسلامي الغالي من براثن الاستعمار، فيحقنوا دماء أبنائهم التي تسفك بذرائع واهية، وليعلموا أنهم سيسألون يوم القيامة عن ذلك، ولينصروا دين الله وليثقوا به، والله ناصرهم وهو مولاهم.
رأيك في الموضوع