عندما احتلت أمريكا العراق عام 2003 جاءت واعدة الشعب العراقي بحياة مرفهة وعيش كريم من بعد معاناتهم من جحيم دكتاتورية حزب البعث بقيادة صدام حسين على مدى ثلاثة عقود ونيف، ولكن وبعد مرور 13 عاما منذ الاحتلال وحتى اليوم وحال العراق من سيئ إلى أسوأ تفاقمت خلالها جرائم العنف الطائفي موفرة ظروف التقسيم على أساس طائفي إلى جانب إقليم كردستان المهيئة ظروفه من قبل.
وازدادت أوضاع العراق سوءاً عندما هُيئ لتنظيم الدولة السيطرة على مناطق شمال وغرب العراق وصارت تظهر على الساحة بشكل لافت حالات الفساد الإداري في الحكومة العراقية مخلفة احتقانا شعبيا كبيرا.
فهذا الضغط الشعبي الناتج من استشراء الفساد والسرقات الممنهجة التي يباشرها الاحتلال والحكومة الفاسدة ينبئ عن حصول ثورة كبيرة يمكن أن تستخدمها قوى أخرى لاعبة في الساحة كبريطانيا وأوروبا معها في مزاحمة أمريكا لنهب ثروات العراق واستنزافها، فما كان من مقتدى الصدر صاحب الشعبية الكبيرة في الوسط الشيعي إلا أن يتصدر هذه الجموع؛ محتويا لهذه الغضبة الشعبية المحتقنة، قاطعا الطريق ﻷي تحرك محتمل أن يستغل الجموع الشعبية، ضاغطا نحو تشكيل ما يسمى بحكومة الكفاءات، مخدرا بها الشعب لفترة ما، من بعد فشل حيدر العبادي في تشكيل حكومة تكنوقراط كان قد وعد بتشكيلها قبل شهر إذ فشلت الكتل السياسية في رفع أسماء مرشحيها للحكومة.
وتزامن مع فشل العبادي في تشكيل الحكومة ودعوة الصدر الشعب للتظاهر في المنطقة الخضراء تفجيرات أخذت السمت الطائفي في المقدادية وهجمات لمسلحين في بغداد وأطرافها على مناطق يسكنها الشيعة بكثافة، فتلك التفجيرات هناك والهجمات المسلحة هنا جاءت لتدفع بمشروع التقسيم إلى الأمام إن استطاعوا؛ فها هو تنظيم الدولة بات يخيم بظلاله بهذه العمليات المسلحة على مناطق النفوذ الشيعة وسيطرتهم تدفع لأن يطالب الشيعة بتقسيم العراق وخاصة إن نجح الصدر في قيادة تغيير ولو شكليا في الحكومة يعزز بذلك ثقة الشيعة بمرجعيتهم على أقل تقدير بعد انحسار شعبية وثقة الشيعة بمعظم المرجعيات اﻷخرى.
ولكن تبقى معضلتان أمام هذه الحكومة؛ الأولى إن أي حكومة عراقية تتشكل تبقى مهزوزة لا تملك سيادة نفسها فهي مرهونة بدستور بريمر الأمريكي الداعم للتقسيم الضامن لهيمنة أمريكا على العراق فلا يمكن أن تتكون من خلاله حكومة مستقلة القرار، لذا لن تتمكن من تنفيذ أي مشروع إصلاحي فعلي لأنها مسلوبة الإرادة والقرار، الثانية أن تحقيق المصالح الرعوية التي ينشدها الشعب هي المحك والمقياس التي يقيس عليها مدى صدق الحكومة ومقدرتها على إصلاح حالهم ورعاية شؤونهم، فإن لم تتحقق الغاية من تحرك الشعب لتشكيل هذه الحكومة فهل سيبقى الشعب صامتا؟!
قال تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123-124].
إن ما يصلح حال اﻷمة هو اتباعها لهدى الله تعالى وشرعته، فبه الهداية والسعادة فلا يضل مقيمه ولا يشقى ولكن اتباع الديمقراطية واﻹعراض عن شرعة الله وهدايته نتيجته الشقاء والضنك والفساد والسرقة ونهب الثروات وانتشار الشقاء والتعاسة.
فهل سترضى اﻷمة أن تبقى هذه اﻷنظمة الرأسمالية الجشعة مهيمنة على رقابها ضاربة بأسافين الفقر والشقاء في أعماق مجتمعاتهم؟!
فإلى متى ستبقى تدور في حلقة مفرغة من حكومة فاسدة إلى أخرى أفسد ومن تعاسة إلى أتعس ﻷن الفساد ليس في شخوص من فيها وحسب، بل كذلك في اﻷنظمة الرأسمالية التي تحتل بلادنا ينفذها هؤلاء الفسدة، فبتغيير اﻷنظمة واستئناف الحياة اﻹسلامية بدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ينصلح حال اﻷمة ويستقر حالها وتسعد.
قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
بقلم: وائل العنزي - العراق
رأيك في الموضوع