لماذا يرواح مشوار الثوار بين إدلب وحلب بدل دمشق واللاذقية؟
وما الموانع التي تحول بينهم وبين إسقاط النظام نهائياً؟
وما المشروع الذي يريدون تحقيقه بعد إسقاط النظام؟
الإجابة على هذه الأسئلة إجابة شرعية صادقة ستوصلنا إلى فهم معضلة إسقاط النظام وإنهاء الكابوس الذي يسيطر على الأمة منذ انطلاقة الربيع العربي وحتى اليوم. فهل الأمر سهل المنال ومتاح لثوار الشام؟ أم أنهم صعدوا جبلاً وعراً غير الذي يوصلهم للنصر المراد!؟ فلنبحث عن الجواب.
لقد أثبتت الأحداث عموماً ومعركة تحرير إدلب خصوصاً أن السلاح الرباني لا يتنزّل على المقاتلين إلا إن هم أخلصوا النية والعمل لله تعالى وحده. ذلك أن الله تعالى أمر بأوامر ونهى عن نواهٍ ووضع قواعد يسير ليس فقط القتال مع أعداء الله بحسبها بل الكون قاطبة. ومن ذلك أن النصر من عند الله وحده، كما الرزق والأجل بيده فقط وليس للإنسان أبداً أن يغير أو يبدل فيهما فكذلك النصر هو من عنده تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ﴾، إذن لا يمكن أن يُتوصّل إلى هذا النصر إلا باستجلابه من عند صاحبه ولا يمكن استجلابه منه تعالى إلى بشروطه التي وضعها ومن ذلك: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ و ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾. إذن هذه شروط فرضها الله على طلاب النصر والعاملين له. ذلك أن الله جلَّ وعلا ليس بحاجة للنصر بل نحن عباد الله من بحاجة للنصر ولو شاء ربنا لنصرنا عليهم لأنه يقول سبحانه: ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾، إذن أنتم يا أهل ثورة الشام في حالة بلوى وامتحان، وهذا الابتلاء إن طال فإنما لأنه تعالى يعطيكم الفرصة تلو الأخرى رحمةً بكم ورأفةً بمن معكم من شيوخٍ ركع وأطفال رضع ونساء أعينها تدمع وبهائم رتع، وقد ثبت أن النصر الذي وعد تعالى به سيأتي للذين آمنوا كي يثبتهم: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾، إذن الهدف الرئيس من نزول الملائكة هو تثبيت الذين آمنوا فكيف يتم لهم الثبات والاطمئنان على الطاعة والتضحية في سبيل الله التي هم فيها؟ فهل يثبّت سبحانه وتعالى أهل الفرقة والتشرذم ناهيك عن أهل القتل وسفك دماء الناس بغير وجه حق، أم أهل ليِّ عنق الدليل الشرعي والتلاعب بما أنزل الله من أجل دنيا يصيبونها؟ ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ فعندما استغاث المسلمون بالله وحده ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ استجاب تعالى لهم فوراً ﴿أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ وهنا انقلبت الموازين وتغيرت المعطيات وأصبحت كلمة الله هي العليا لا كلمة كتيبة أو لواء أو مجموعة. ثم ذكّرهم تعالى لما نصرهم بأنكم لستم أنتم من صنع النصر لأنه ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
أما الفتن التي يتعرض لها ثوار الشام فهي كثيرة لا تحصى، منها أنه عندما يأتيهم المدد من عند غير الله أي من الغرب أو من الخارج فقد ينتصرون بهذا المدد لكنهم لا يطمئنون به ولا يكون بشرى لهم ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾، وهذا ما رأيناه في كثير من تلك الانتصارات التي لم تغير مجرى المعارك ولم تقلب الموازين ولم تُسقط النظام بل لم تُضعفه! لقد أنعم الله على ثوار الشام بغنائم لا تُحصى وأنعم عليهم بانتصارات رائعة، ولكنهم تفرقوا بعدها فضاعت الغنائم وذهبت الانتصارات، ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾، علم المنتصرون أن النصر أتاهم من عند الله ومع ذلك تفرقوا واختلفوا، فابتعدوا عن دمشق مع أنها قريبة منهم!
فلِمَ الخلاف والاختلاف على ثابت من ثوابت القرآن ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ فلا نصر إلا منه تعالى مهما عملتم ومهما استجلبتم من قوة ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. يقول عليه الصلاة والسلام: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ». فلم يبق لكم يا أهل ثورة الشام، وأنتم في السنة الخامسة من التضحيات والبذل والثبات، إلا الله تعالى تخلصون له القول والعمل، فلا بد من قطع الحبال كلها إلا حبل الله المتين فهو بانتظاركم، فليست قضيتكم إدلب أو دمشق، بل إن قضيتكم أكبر من ذلك بكثير، قضية نصرة الإسلام حتى ترتقوا عند الله ورسوله إلى مرتبة سعد بن معاذ الذي نصر الإسلام ونصر رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم يكن له من الأمر شيء بعد نصرته ولم يطمع بالدنيا، حتى أتى جبريل يسأل رسول الله r: يا محمد من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟.
رأيك في الموضوع