"لن نغلق أبوابنا في وجه الضيوف السوريين"، ما كاد ينهي هذه الكلمات حتى رأينا حدوده مع "الضيوف السوريين" قد أغلقت ومعابره التي يستقبل منها ضيوفه المزعومين قد أوصدت في وجوههم دون سابق إنذار. هذا هو رجب طيب أردوغان منذ كان رئيساً للوزراء وحتى اليوم بعدما أصبح رئيس جمهورية تركيا، وتتسرب الأخبار عن اتفاقات واتفاقيات بين تركيا وبعض الدول العربية وبين أمريكا سيدة الموقف وصاحبة القرار بشأن الملف السوري، عن أن أمريكا قد وافقت على مطلب أردوغان الملحّ بإزاحة الأسد في المرحلة القادمة مقابل دخول تركيا في حلفها الموجه ضد سوريا والعراق. ولكن وقبل أن يتضح الموقف التركي جلياً نراه يهتز من جديد بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي كيري حيث عبر عن موقف بلاده بضرورة الحوار مع الأسد لإنهاء الأزمة.
"إنهاء الأزمة" أو بتعبير أوضح يبين بالضبط المقصود: "إجهاض الثورة دون الوصول لنتائج" هذا ما دأبت أمريكا تخطط له منذ أول تظاهرة قامت في دمشق في 17/2/2011 ثم في 15/3/2011 ثم في درعا في 18/3/2011 وحتى اليوم. لذا فإن مقياسها الذي وضعته للثورة يعمل كمقياس ريختر لقياس الزلازل فكان وما زال يتابع قوة وضعف النظام، فكلما آلَ النظام للسقوط دعمته بعوامل خارجية سواء بالدعم السياسي أو بالدعم المادي، فترسل له مرتزقة من دول الجوار كحزب إيران من لبنان أو بالقيام بأعمال سياسية كالدعوة لمؤتمرات وحوارات فتضغط بقوة على عملائها في المعارضة للمشاركة فيها مع وعود كاذبة كما حدث في مؤتمر جنيف2، فتعيد إليه تألقه وترجع له صبغة الدولة القائمة، فيقوى معنوياً. وهذا ما دعا كيري في هذه المرحلة لتصريحه هذا، فهو سياسي كالذئب يعرف مغزى مثل هذا التصريح في هذه المرحلة ويعلم أن شركاءه في التحالف سيعارضونه، وبالفعل انتفضت بريطانيا وفرنسا تعارضان قول كيري، فخفف البيت الأبيض من حدة تصريحاته تلك بأن المقصود هو هذه المرحلة! وأن أمريكا ما زالت على موقفها أن لا مكان للأسد في سوريا المستقبل! وما هي سوريا المستقبل التي تريدها أمريكا؟
لا يختلف اثنان أن سوريا المستقبل التي تريدها أمريكا هي سوريا النظام الحالي ولكن بوجوه جديدة تتابع ما يريده الغرب منها من حماية كيان يهود وإجهاض أي توجه إسلامي فيها وتغريب الداخل بعلمنته ودمقرطته على الطريقة الجزائرية، أي تطبيق للديمقراطية طالما العلمانيون هم الفائزون في الانتخابات وانقضاض عليها حين يرون خطرا بفوز إسلاميين .
هذا "الانقضاض" على النظام السياسي الحاكم يحتاج إلى جيشِ قوي تمسك به أمريكا كما أمسكت بالجيش العربي السوري وكما تمسك بمعظم جيوش العالم الإسلامي، كجيش مصر وجيش باكستان، لهذا وبعد خوار قوة الجيش السوري الأسدي، أصرت أمريكا على إنشاء نواة جديدة لجيش سوري جديد يخدم مصالحها وينفذ مآربها ويبقى حارساً أميناً لأسياده في البيت الأبيض. ومن هنا كانت محاولاتها المتكررة لتدريب مقاتلين من سوريا تضمن فيهم الولاء ومعاداة الإسلام والاستعداد لمحاربته تحت مسمى يقبل به ويصدقه السذج في الداخل والخارج ألا وهو "الاعتدال" فهي تريد معارضة معتدلة وجيشاً سورياً معتدلاً وأحزاباً ومجموعات معتدلة.. كلها تدخل ضمن المقاييس والشروط المبينة هنا.
يقول جون ألن المبعوث الأمريكي الخاص إلى دول التحالف، "لقد حطمنا وهم الخلافة"! مما يدلل على أن أمريكا قلقة من مطالب الثورة والشعب في الداخل المتمثلة بنظام حكم إسلامي هو الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فكان لا بد لها من تشويه صورة الخلافة الحقيقية وهذا ما قامت وما زالت تقوم به، فيخرج شياطين السياسة الأمريكية منتشون ليقرروا أن أمريكا انتصرت في حربها على الخلافة التي يريدها أهل سوريا وأن هذا الانتصار تتوّجه أمريكا بتثبيت بشار، خادمها المطيع، في منصبه رغم أنف كل السورين.
لم تدرك الولايات المتحدة الأمريكية على ما يبدو بعد، أن الأمة التي قدمت مئات آلاف الشهداء من أجل قضيتها ستتابع تقديم المزيد في صراعها مع النظام العالمي حتى تصل إلى مبتغاها، لأنها أدركت أن قضيتها قضية مصيرية، فقد دخلت مرحلة "نكون أو لا نكون"، وبدأ العد العكسي لمصالح الغرب في بلاد المسلمين، ففي كل أنحاء العالم الإسلامي تزداد الكراهية لأمريكا ولسياساتها بشكل واضح، وهذا ما كان في أواخر عهد دولة الروم البيزنطيين ودولة الفرس حيث بلغ الظلم منهم مبلغاً جعل الناس يتمنون زوالهما وهذا ما كان لأن دولة الظلم لا تدوم. ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾.
إن حاجة البشرية عامة والمسلمين خاصة لدولة العدل أصبحت ملحّة فقد ظهر الفساد في البر والبحر وفي السماء والهواء، ولم يعد الوعي يقتصر على شريحة معينة بل الكل يلعن الرأسمالية ونظامها المجرم وما هي إلى هنيهات حتى تعود درة عمر لتضرب رؤوس الكفر لتسقطها في وحل التاريخ فتقف أمة الخير كالمارد شامخة قوية ترفع راية محمد r عالياً كما رفعها صلوات ربي وسلامه عليه منادياً في الأصقاع: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾.
رأيك في الموضوع