أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن المشاركين في اجتماع فينا بشأن سوريا، اتفقوا على أن يقوم الأردن، بتنسيق جهود وضع قائمة بالجماعات الإرهابية في سوريا.
وقال لافروف للصحفيين على هامش قمة العشرين في إقليم أنطاليا التركي "سيتم تنسيق العمل على استكمال قائمة (الجماعات) الإرهابية وسيتولى الأردن مهمة التنسيق". وأكدت الحكومة الأردنية الموافقة على ذلك. فقد صرح وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، الناطق باسم الحكومة الدكتور محمد المومني أنه "طُلب من الأردن القيام بهذا الدور، ووافق على ذلك".
ولا بدّ لنا من محاولة معرفة أسباب هذا الاختيار للأردن ولماذا أسند له هذا الدور؟
بداية إن هذه المهمة صعبة ومعقدة وليست سهلة إطلاقا وذلك لاعتبارات منها:
أ- لا يوجد تعريف واحد ومحدد لمفهوم الإرهاب، نظراً لاختلاف المعايير بين الدول، وتباين الرؤى حولها، فمصطلح العنف واستخدام القوة مفهوم نسبي الدلالة، له وظيفته واستخداماته المحددة، وظروفه وبيئته، وقامت كل دولة بتعريفه حسب ما تريد، لأنها ستوظفه سياسيا حسب مصلحتها لتضرب من خلاله من تريد وتحتل وتقتل وتتدخل كما تريد، فمفهوم الإرهاب غدا وسيلة وأداة في السياسة الخارجية، وأمر آخر وهو أن مفهوم الإرهاب مختلف فيه بين أوروبا وروسيا وأمريكا، فعلى أي تعريف سيتم اعتماده، وعلى أي أساس سيتم تصنيف الحركات بأنها أرهابية أم لا؟
ب- إن بعض القوى على أرض الشام مدعومة من أطراف دولية وإقليمية، فهل ستقبل هذه القوى بإدخال هذه الحركات ضمن مفهوم الإرهاب أم لا؟ وتكمن الخطورة أن هذا التصنيف ليس أكاديميا بل سيبنى على هذا التصنيف أعمال عسكرية وسياسية، فأي حركة ستصنف أنها إرهابية لن يسمح بدعمها أو تمويلها أو احتضانها أو وجودها في أي بلد، بل ستُقصف وتضرب وتطارد، من هنا تكمن الخطورة على ثورة الشام وأهلها والثوار والصعوبة في إعداد هذه القوائم نتيجة تناقضات الداخل والخارج. ومن خلال هذا الفهم نستطيع أن نفهم دور الأردن المناط به فهو دور تصنيف وتنسيق كما ذكر الناطق باسم الحكومة، بمعنى أنه سيقوم بدور السكرتارية فقط، وليس دور المقرر وليس دورا محوريا أو حيوياً وإنما سيقوم الأردن بإعداد هذه القوائم بالتنسيق مع كل الدول الفاعلة على الساحة السورية لمحاولة الخروج بقائمة موحدة بعد اتفاق جميع الأطراف، فهو دور وظيفي خدمة لقوى الكفر في محاولة للقضاء على الثورة خيانة لهذه الأمة، لأن هذا الكيان ما نشأ إلا لدور وظيفي خدمة لأمن يهود وقوى الكفر وللحيلولة دون عودة هذه الأمة لما كانت عليه في سابق عهدها من عزة وقوة ونهضة، ولن تكون هذه القائمة نهائية ولا ملزمة إلا بعد التوافق عليها من قبل جميع الأطراف خاصة صاحبة الكلمة الأولى في مسألة الشام وهي الولايات المتحدة الأمريكية.
أما لماذا تم إسناد هذا الدور للأردن دون غيرها، فقد حاول أبواق النظام الترويج لهذا الدور بأنه اعتراف من العالم بدور الأردن ومكانته وأهميته، وهذا الأمر غير صحيح، لأن إسناد هذا الدور إنما كان لأسباب وأهداف نذكر منها:
أولاً: أن الأردن بحكم موقعه وقربه وعلاقاته التاريخية مع عشائر سوريا وخاصة عشائر الجنوب والعلاقة التاريخية بين النظامين السوري والأردني في التدخل وشراء العملاء ودعم بعض الأطراف في الداخل ووجود حزب البعث الموالي لسوريا والمخترق من الأردن وهروب بعض الأفراد والحركات التي فرت من بطش النظام هناك إلى الأردن، كل هذا جعل الأردن تحتفظ بمعلومات كبيرة تتعلق بالشام وأهله ونظامه والقوى المناوئة له من أحزاب وعشائر وطوائف، فضلا عن تدخل الأردن المبكر في الثورة ودعم بعض القوى وتدريبها وتمويلها واحتضانها وارتباطها بالمخابرات الأردنية وضبط حركتها وإيقاعها، كل هذا جعل من الأردن مستودعا ومخزنا استراتيجيا لمعرفة حقيقة هذه القوى ورجالاتها وارتباطاتها وفكرها والمؤثرين فيها والقادة والمراجع، وهذا ما يحتاجه العالم من معلومات لا زال الأردن يحتفظ بها ولديه هناك أذرع مهمة في الجنوب خاصة. ورد في تقرير الجزيرة (ويرى مراقبون أن المؤسسة الأمنية في الأردن لديها خبرة متراكمة في التعامل مع جماعات إسلامية مختلفة، استندت إليها القوى الكبرى لتكليف عمان بإعداد قائمة بالجماعات "الإرهابية" في سوريا، وفق ما أعلنته روسيا منسوبا للدول المشاركة في اجتماع فينا الأخير، وقال الخيطان - الملم بالتحركات السياسية والأمنية الأردنية تجاه الملف السوري "يجب ألا ننسى أن الخبرة الاستخبارية التي يتمتع بها الأردن ومعرفته الجيدة بالجماعات المتشددة وإدراكه تفاصيل المشهد السوري تؤهله للعب الدور على شكل عال من الاحترافية".
ثانيا: أن النظام في الأردن يحاول أن يجد له قدما في التحالفات الدولية حتى يقنع الغرب باستمراريته. صحيح أنه لا يوجد حاليا صراع سياسي على النظام يستأصل وجوده - لعلاقة الأمر بأمن يهود - إلا أنه بات يدرك نهاية أنظمة متجذرة في المنطقة انتهى دورها ولم تعد تصلح للمحافظة على مصالح الغرب، ألقى بها الغرب في هاوية سحيقة، وهو شاهد نهاية القذافي قتيلا وزين العابدين طريدا وحسني مبارك محمولا وصالح محارَبا، وهو يدرك هذا جيدا؛ فهو مثلا يحمل مشروع الدولتين أكثر من الولايات المتحدة، وهو يرسل بأبناء الأردن إلى كافة البلاد خدمة للكافر المستعمر ويخاطب العالم حول خطر الإرهاب - الإسلام - وخطر نهضة الأمة، فكان لا بد له من إقناع الغرب بضرورة وجوده بدور وظيفي قذر وضيع، ويحاول أن يظهر لأهل الأردن بأنه يدافع عن صورة الإسلام واعتداله وتسامحه لدى الغرب وهو يحارب الإسلام جهاراً نهاراً.
ثالثاً: توريط الأردن في الشأن السوري عسكريا، وهذا الأمر يدركه بعض السياسيين والإعلاميين؛ حيث ورد على لسان بعض الكتاب هذه المخاوف والتوريط مثل الكاتب والمحلل محمد أبو رمان عبر تصريحات محلية أن "عملية التكليف فخ للأردن؛ لأن ذلك سينتج عنه مزيد من الأعداء والأعباء على أمن واستقرار البلاد"، فيما اعتقد الكاتب فهد الخيطان في مقال كتبه في صحيفة الغد اليومية أن "المهمة إشكالية بامتياز، ودونها عقبات كبيرة، قد تنتهي إلى خلاف بين مختلف الأطراف الدولية والإقليمية حول التصنيفات المقترحة".
أما موقف أهل الأردن فمما لا شك فيه أن أهل الأردن مسلمون وهم جزء من بلاد الشام تجمعهم عقيدة الإسلام أولاً وكفى بها من رابطة، ثم روابط القرابة والنسب التي فرقت بينهم اتفاقية سايكس بيكو، فهم مع الشام قلبا وقالبا، عقلا وجسدا، كلمة وموقفا؛ فهم يدركون حجم التآمر الدولي ودور النظام هناك ولكنهم مكبلون شأنهم شأن بقية البلاد الإسلامية، وتولّد لديهم بعض العقد مما حدث في بعض البلاد من اقتتال وخراب ودمار، ولولا بعض هذه العقد وعلى رأسها طبيعة الدور الوظيفي للنظام في الأردن الذي أنشئ من أجله وهو حماية كيان يهود وأمنه، وحماية يهود وكافة الأطراف الدولية لهذا النظام، طالما أنه يقوم بهذا الدور، لكان لهم ولهذا النظام شأن آخر... ولكن لن تستمر الأمور على ما هي عليه؛ فهذه الأمة قد بدأت تستفيق من سباتها ولن تبقى أسيرة التدخل الغربي وأدواته بل ستعود إلى ما كانت عليه خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتجيش الجيوش لإعلاء كلمة الله في ظل دولة واحدة وراية واحدة وخليفة واحد وإن غدا لناظره قريب.
بقلم: خلدون عطا الله - الأردن
رأيك في الموضوع