تناقلت مواقع إخبارية أنباء عملية إنزال أمريكية جرت أحداثها الخميس (22/10/2015) في كركوك شمال العراق، نفذتها قوة مشتركة من القوات الخاصة الأمريكية بالتعاون مع مقاتلين أكراد بلغ تعدادهم (300) عنصر. وقال بيتر كوك، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية: إن العملية بدأت بعد تلقي معلومات بأن الرهائن يواجهون إعداماً جماعياً وشيكاً على أيدي مسلحي "تنظيم الدولة". وقد استخدمت القوة المذكورة طائراتٍ متنوعة - بحسب صحيفتي (CNN) و(نيويورك تايمز) واستهدفت منزلا جعل منه "التنظيم" سجنا، وأسفرت العملية عن تحرير (70) رهينة، ومقتل جندي أمريكي وأكثر من (20) عنصرا من "التنظيم"، واعتقال (6) منهم، فضلا عن إصابة (4) مقاتلين أكراد.
وفي أمر لافت، فإن هذه العملية جرت دون علم الحكومة الاتحادية في بغداد، ولا إشعارٍ لوزارة دفاعها بالتفاصيل، ونقلت صحيفة (الواشنطن بوست) أنباء عن غضب بغداد من تعاون الجيش الأمريكي والبيشمركة الكردية في كركوك، وامتعاض مسؤولين في الدفاع، لأنهم علموا بها من وسائل الإعلام، وأضافت الصحيفة أن (حاكم الزامليّ) رئيس لجنة الأمن النيابية اتهم أطراف العملية قائلا: "ما حدث اليوم شيء خطير".
وبديهيٌّ أن قيام الجيش الأمريكيّ بعملية قتالية كهذه دون علم الحكومة المركزية، ولا إشراك وزير دفاعها بالأمر لهو دليلٌ واضحٌ على هوانهم وسقوطهم حتى من أعيُن المُحتلّ رغم تعاونهم معه .. فهل بعد هذا الذُلِّ من ذُلّ؟ لقد صدق واللهِ فيهم قولُ ربنا عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾. وإن الخطبَ جللٌ ، فقد بلغ استهتار الكافر المحتل بقادتها، واستخفافه حتى بما أقامه لهم من دستور وقوانين ومؤسسات مبلغاً عظيما، فبات يصول ويجول في أرض العراق فيعبث في مصائر أبنائِه ويُدمِّر مقدَّراتِه، ويتصرَّف فيه تصَرُّفَ المالك بمِلكهِ دون أن يحسِب حسابا لأحد.
ولقد دأب قادة الاحتلال منذُ سقوط الموصل أواخر حزيران عام 2014 على القول بأن تحالفهم المزعوم لمكافحة الإرهاب يقوم على استراتيجية إرسال قوات أمريكية لغرض التدريب والمشورة لقوات الأمن العراقية فحسْب، ومَدِّهم بما يلزم من أسلحةٍ ومُعَداتٍ وعتاد، وأن تلك القوات الغازية لن تنخرط في قتال على الأرض، بزعم أن (أوباما) لن يُكرر خطأ سلفِهِ (بوش)..
وهذا طرف من أقوالهم لوسائل الأنباء المتنوعة:
1-قول (أوباما) الذي جاء فيه: "أنه سيُقدِّم "خطته للتحرك" ضد تنظيم الدولة، لكنه شدد على أنه لن يُرسل قواتٍ أمريكية على الأرض، وأنه لا ينوي إعادة شنِّ هجماتٍ "تماثل الحرب في العراق"، و"أنه وعدَ الأمريكيين بعدم إرسال قوات قتالية برية من بلاده في هذه المهمة" بحسب صحيفة (نيويورك تايمز)...وتبِعَه - على ذلك - ساسَةٌ وقادة عسكريون أمثال:
2-رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة السابق مارتن ديمبسي الذي قال: "إنه لا نية لنشر مستشارين عسكريين أمريكيين على الأرض للقيام بمهام قتال مباشر"،
3-ومضى (جون كيري) وزير خارجية الاحتلال بقوله: "أن الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة تنظيم الدولة، لا تشمل إرسال قوات برية للقتال هناك".
ثم جاءت عملية تحرير الرهائن كما مرَّ آنفا، لِتُخالفَ ما تمَّ الإعلانُ عنه... لكنها لم تكن العملية القتالية الأولى على الأرض، فقد سبقتها أخرى في سوريا، وهي العملية البرية التي نفذتها وحدة كوماندوس أمريكية في أيار 2015 ضد أبي سياف، القيادي في صفوف الجهاديين هناك.
لهذا، تُعَدُّ عملية كركوك بعد اشتباك القوة الأمريكية في قتال حقيقيٍّ مع "تنظيم الدولة" تحَوُّلاً في تعاطيهم العسكريّ، يؤيِّدهُ قولُ وزير الدفاع الأمريكي (آشتون كارتر) في مؤتمر صحفي في (23/10/2015): "أتوقع أن نقوم بمزيد من هذه العمليات"، ضد "تنظيم الدولة" بعد نجاحهم في تحرير الرهائن، وذلك في تحول واضح - بحسب (شفق نيوز) - لنمط التدخل المتبع لدى الجنود الأمريكيين المتمركزين حاليا في العراق. وأضاف الوزير: "حين تسنَح فُرَصٌ لتنفيذ عملياتٍ من شأنها إحراز تقدم في الحملة" على تنظيم الدولة الإسلامية "فنحن نغتنمها"...!؟ لكنَّ (بيتر كوك) المتحدثَ باسم الدفاع الأمريكية استدرك قائلاً: "إن العملية لا تمثل تغييراً في الأساليب التي تتبعها أمريكا في محاربة "التنظيم" الذي يمثل أكبر تهديد أمني للعراق"، لكنه أبقى الباب مفتوحا بقولهِ للصحفيين: "لا أقول: إن هذا أمرٌ سيحدث بصورة منتظمة لكنني أعتقد أنه يُعبر عن نوعية الجهود التي نقوم بها نيابة عن شركائنا". (موقع شفق نيوز).
وما حصل آنفاً يُعتبرُ مؤشرا على توجُّه أمريكي نحو مزيد من الانخراط في الأعمال العسكرية في العراق لتلميع صورتها. يُعززُ هذا الظنَّ أنباء (الانتصارات) المفاجئة في بيجي والرمادي التي أعلِنَ عنها مؤخرا، بعد صمتٍ وسكون دام قرابة خمسة أشهر بحجة حرارة الصيف وعدم جاهزية القوات العراقية..
وفي الختام، فقد بات العراق في وضعٍ ضبابيٍ تحيط به الأخطار من كل جانب: أزمات سياسية واقتصادية صعبة، وأعداء متربصون لا يرقبون في أهله "إِلًّا وَلَا ذِمَّةً"، وانعدام للأمن، وإزهاق للأرواح. وجيشهُ الذي يُفترض أن يكون حاميا لثغوره، نِداً لأعدائه.. لم يعُدْ له وجود فعليّ، غلبتهُ مليشيات إيران المجرمة وتفوَّقت عليه عدداً وعُدة حتى بات (أثراً بعد عين)، فصار الناس أسرى لتلك الفصائل الظالمة، بل حتى الحكومة بقيادة (العباديّ) لم تعُد بمنأى عن خطرها..! يزيد ذلك سوءًا كافرٌ محتلٌ استغل "تنظيم الدولة" ليُبقي العراق ضعيفا مفككا بزعم محاربة الإرهاب وليأتي على آخر برميل للنفط عماد اقتصاده.. إلى أن يُوفق الله سبحانه العاملين المخلصين بقيام الدولة الربَّانيةِ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لا لتُنقِذ العراق وبلاد المسلمين فحسب، بل لتنقِذ العالم أجمع من شرور الرأسمالية العفنة والديمقراطية الفاسدة ليحيى الإنسانُ الحياة الطيبة التي أراد الله تعالى، ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
بقلم: عبد الرحمن الواثق - العراق
رأيك في الموضوع