"إن تعزيز العلاقات الأخوية مع الدول الإسلامية سيكون الركيزة الأساسية لسياستنا الخارجية]الجنرال مشرف، 1999م[
هناك قراران خاطئان قد اتخذا مؤخرا في السياسة الخارجية الباكستانية، فيما يتعلق بالعلاقات مع العالم الإسلامي. الأول هو قرار إرسال قوات دعم بناءً على طلب من المملكة العربية السعودية "لضمان السلامة الإقليمية للبلاد"، ونشر الجنود في غزو بري محتمل لليمن. فقال بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء نواز شريف: "ستظل باكستان ملتزمة بحزم في دعم سيادة أراضي المملكة العربية السعودية ووحدتها، وفقا لتطلعات شعب باكستان". فمن الأرجح أن تحاول باكستان - جنبًا إلى جنب مع الدول العربية الأخرى - استعادة حكم هادي، والشروع في تنفيذ خطة 2011م لدول مجلس التعاون الخليجي لليمن، والتي أعدت تحت وصاية أمريكا وبريطانيا.
إن نطاق مشاركة باكستان هو موضوع جدل كبير، ويبدو أنه سيكون مفتوحًا ليشمل كل الشرق الأوسط، حيث قال نواز شريف في البيان نفسه: "باكستان تقف ملتزمة في لعب دور فعّال في وقف تدهور الوضع في الشرق الأوسط". وهذا يحتمل أن يتيح لباكستان التدخل في مناطق الصراع الأخرى، حيث غالبية الثوار من التوجه الإسلامي، فهم من يقاتلون حكومة الأسد في سوريا وكذلك الحكم في العراق. والغرب ودول مجلس التعاون الخليجي يعتبرون الثوار المسلمين تهديدا للنظام السياسي الحالي، وهم لا يميزون بين تنظيم الدولة، والمعارضة الإسلامية الحقيقية التي تقاتل الأسد، والمسلمين السلميين الذين يعملون على استبدال الأنظمة المستبدة في المنطقة، فهم يعتقدون أنه يجب القضاء عليهم جميعا.
ولأبعد من ذلك، فإنه ليس من الصعب أن نرى باكستان تنجر إلى مواجهات عسكرية أخرى، حيث المقاتلون المسلمون المعارضون للنظام السياسي العلماني الذي فرضه الغرب، والذين يحملون السلاح ضد حكوماتهم كما هو الحال في ليبيا والصومال.
إنّ ما هو شائع في كل هذه الصراعات هو أن هذه الأنظمة الاستبدادية مدعومة بالمال والأسلحة من الغرب، هذه الأنظمة التي اغتصبت لسنوات حقوق الناس واضطهدتهم بشكل وحشي. إنّ أمريكا وأوروبا بعد تعرضهما لهزائم مذلة في العراق وأفغانستان ليستا في وضع يسمح لهما بإرسال المزيد من القوات لقمع المسلمين المتمردين على النظام السياسي الحالي الفاشل، والذي انكشف أمره بشكل سريع. وقد استغل الغرب ضراوة التمرد الإسلامي في هذه الدول، من خلال التكتيكات البغيضة من قبل تنظيم الدولةوغيره من التنظيمات التابعة له، لتبرير دفاع الدول في البلاد الإسلامية الأخرى عن النظام السياسي القائم والمصالح الغربية بالوكالة. والقيادة الباكستانية غير قادرة على فهم أبعاد خطة الغرب الخطيرة، لكونها جزءا من التحالف الذي تقوده السعودية، التي ستعمل تحت الرعاية الغربية لحماية المصالح الغربية.
بهذه الطريقة، فإن تلك الشعوب العربية التي تحترم باكستان لغاية الآن، ستعتبر الجيش الباكستاني والدولة أهدافا مشروعة، وسكان اليمن هم أول من سيعادي باكستان، وسيتبعهم بلدان أخرى.
القرار الثاني الذي لا بد أن تكون له مضاعفات دائمية تضر بباكستان هو الإعلان عن أن باكستان ستبيع مقاتلات إلى ميانمار، والتي لا شك سوف تستخدم لإبادة المسلمين الروهنجا في البلاد، فحكومة ميانمار متواطئة في إبادةالمسلمين الروهنجا، ولكن هذا لا يهم الحكام السياسيين والعسكريين في باكستان، بل على العكس من ذلك، فتاريخ باكستان الطويل في دعم البلدان غير المسلمة التي تقمع بوحشية مواطنيها المسلمين يتعارض مع العلاقات الأخوية المعلن عنها من قبل المسئولين الباكستانيين. فعلى سبيل المثال، قمع روسيا للمسلمين في الشيشان، والقمع الصيني للمسلمين في تركستان الشرقية، وقمع الفلبين للمسلمين فيها، جميع هذه الجرائم مرت بصمت مطبق في الدوائر الرسمية، وحتى ممارسات قوات الأمن الهندية تجاه المسلمين الكشميريين لم تعد تولّد أية استجابة ذات معنى من قبل حكام باكستان، الذين يطمعون الآن بالسلام مع العدو اللدود لباكستان. ومرة أخرى، كل هذا يؤكد على أن المسلمين الذين يعيشون في تلك البلدان سوف يتبنون آراء سلبية تجاه الدولة الباكستانية على أقل تقدير، ولكنالأسوأمن ذلك - وكما يعرف الجميع جيدا - هو أن العديد من المقاتلين من هذه الدول يقاتلون الآن الجيش الباكستاني في المناطق القبلية.
وأخيرا وهو الأهم، فإن باكستان ستستعدي حوالي 30 مليون من مواطنيها الشيعة، مما سيسبب المزيد من الانشقاقات بين السنة والشيعة في البلاد، وهذا ينتهك بوضوح الشعار المتكرر الذي يرفعه الجيش الباكستاني "الانقسامات الطائفية".
إن الجنرال مشرف، وهو مهندس السياسة الخارجية الحالية لباكستان، قد وضع بنجاح الأسس السياسية المثيرة للانقسامات لأكثر من عقد، وحرّض الإخوة الباكستانيين ضد بعضهم البعض، والآن فإن الجماهير المسلمة التي تعيش في البلدان الإسلامية على وشك أن تتحول ضد باكستان.
بقلم: عبد المجيد بهاتي - باكستان
رأيك في الموضوع