نقلت وكالة أنباء "إيسنا" للطلبة الإيرانيين تصريحات علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات أمام منتدى "الهوية الإيرانية" بطهران في 9/3/2015 حيث قال: "إن إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي" وقال: "إن إيران منذ ميلاد العالم ولدت كامبراطورية والزعماء والقادة الذين حكموا إيران كانوا على الدوام يفكرون بشكل عالمي وبأدبيات مختلفة" وقال "تصريحاتي لا تعني أننا نريد أن نسيطر على العالم مرة أخرى، لكن يجب أن نعرف مكانتنا وتاريخنا أي أن نفكر بشكل عالمي ونعمل بشكل قومي إيراني". وقال "إن إيران تنوي تأسيس اتحاد إيراني في المنطقة" وقال "لا نعني بالاتحاد أن نزيل الحدود ولكن كل البلاد المجاورة للهضبة الإيرانية يجب أن تقترب بعضها من بعض". وهاجم علي يونسي الذي شغل منصب مدير الاستخبارات في حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي، هاجم كل معارضي النفوذ الإيراني في المنطقة معتبرا أن "كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية".
وذكرت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية في 13/3/2015 أن عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني إسماعيل كوثري طالب بإقالة علي يونسي معتبرا تصريحاته تلك قد أضرت بالمصالح الوطنية لإيران.
إن تصريحات مستشار الرئيس الإيراني تؤكد سياسة إيران بأنها قومية بحتة وتصرفاتها في المنطقة وقتالها بجانب أنظمة علمانية تابعة لأمريكا في العراق وفي سوريا. فواقع النظام الإيراني وصبغته قومية ووطنية، وهي تنعكس على سياسته التي تكمن في الحفاظ على النظام القائم وعلى كيان الدولة وعلى أراضيها وسياستها الخارجية بتحقيق المصالح القومية والوطنية. فالدستور الإيراني الذي صدر بعد الثورة عام 1979م بني على أسس قومية إيرانية كالدساتير الموجودة في البلاد الإسلامية الأخرى وفق الأنظمة الغربية الرأسمالية، فنظام الحكم جمهوري والتقسيم الوزاري وعمل البرلمان وموضوع فصل السلطات وموضوع الصلاحيات فيها، كلها وفق الأنظمة الرأسمالية. وأما ما ورد في دستورها في المادة الثانية عشرة بأن "الدين الرسمي لإيران الإسلام والمذهب الجعفري الاثنى عشري"، فهذا النص كالموجود في أغلب الدساتير في البلاد الإسلامية، وهو لا يعني أن الدولة قائمة على أساس الإسلام أو رسالتها حمل الإسلام، بل تتعلق بالمراسيم والأعياد وما يتعلق بما يقتضي العمل به تجاه الناس بخصوص اعتقاداتهم وعباداتهم وما يتعلق ببعض أمور حياتهم. ولم ينص الدستور الإيراني على أن هذا الدين أو هذا المذهب هو رسالة للدولة أو هدف للسياسة الخارجية التي هي وطنية وقومية. بل إن المادة السادسة والسبعين بعد المائة على الشكل التي هي عليه تؤكد ذلك فنصها كالتالي: "يتم تشكيل مجلس الأمن الوطني الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية لغرض تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية". وإيران تسير حسب المنظومة الدولية الحالية من انتساب إلى المنظمات الدولية والإقليمية القائمة على أساس النظام الرأسمالي مثل عضويتها في الأمم المتحدة وفي منظمة التعاون الإسلامي، وكافة العلاقات الدولية لديها لم تقم على أساس الإسلام.
ولا تهتم إيران بالناحية المذهبية إذا تعارض ذلك مع مصالحها الوطنية والقومية، فأذربيجان منذ أرادت أن تتحرر من قبضة الاتحاد السوفياتي في نهاية عام 1989م وقام الناس بكسر الحدود مع إيران للوحدة معها، وجرت لهم مذابح في بداية عام 1990م من قبل المهاجمين الروس الذين دخلوا باكو لمنع إقامة نظام غير تابع لهم هناك والإتيان بعملائهم من الشيوعيين القدامى إلى الحكم، ومع ذلك فلم تقم إيران بمساعدة أهل أذربيجان في وجه هذه الهجمة الروسية التي تنتهك حقوق المسلمين الذين أرادوا التحرر من النير الروسي ومن براثن الشيوعيين، مع العلم أن أغلبية سكان أذربيجان مسلمون من أتباع المذهب الرسمي لإيران. ولم تساعد أذربيجان في وجه الأرمن الذين ساندهم الروس في احتلال حوالي 20% من أذربيجان عام 1994م وهجروا أكثر من مليون أذريّ من أراضيهم وما زال هذا الوضع المأساوي قائما هناك. بل إن إيران طورت علاقاتها مع أرمينا على حساب أذربيجان وما زالت علاقتها مع الأخيرة متوترة.
وتعمل إيران على الاتصال باتباع المذهب الرسمي لديها لتستغله في إثارة النعرات العصبية المذهبية لدى أتباعه لتحقيق مصالحها القومية، وهذا يفيد أمريكا التي هي أيضا تعمل على إثارة النعرات العصبية المذهبية حتى تتمكن من بسط نفوذها على بلاد المسلمين وتمنع وحدتهم ونهضتهم وإقامة خلافتهم الراشدة على منهاج النبوة. ففي لبنان أسست حزبا لها من أتباع مذهبها وسلحته فأصبح جيشا خاصا هناك منفصلا عن الجيش اللبناني، واعترف النظام اللبناني به وبسلاحه، مع العلم أن النظام اللبناني نظام علماني يتبع السياسة الأمريكية. ولم يسمح النظام اللبناني لغيره من الأحزاب بحمل السلاح أو لم يعترف بسلاح الأحزاب الأخرى. وقام حزب إيران في لبنان بدعم النظام السوري المرتبط بأمريكا كما فعلت إيران، ولم تمنع أمريكا النظام اللبناني من السماح لحزب إيران بالتدخل في سوريا لإسناد نظام بشار أسد العلماني فيها، بل هناك موافقة أمريكية ضمنية على تدخل هذا الحزب في سوريا دون أن يعترضه الجيش اللبناني. وفي العراق عملت إيران على استغلال أتباع مذهبها الرسمي فأوجدت منهم تنظيمات مسلحة وأخرى سياسية تؤيدها وتؤيد الاحتلال الأمريكي وتسير حسب سياسته وتحارب المقاومين للاحتلال وللنفوذ الأمريكي وما زالت تنفذ الأهداف الأمريكية، وقد أصبح التنسيق بين أمريكا وإيران في العراق ظاهرا بصورة علنية ورسمية، حتى إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ذكر يوم 14/3/2015 في مؤتمر شرم الشيخ بمصر أن "تدخل إيران العسكري المباشر في العراق كان على علم من أمريكا". وفي اليمن فقد كسبت جماعة الحوثي وسلحتها لتعمل لصالح النفوذ الأمريكي وتضرب النفوذ الإنجليزي، كما تعمل على تحريك أتباع مذهبها في البحرين ضد النظام الموالي للإنجليز بالتنسيق مع الأمريكان. ولم تكتف إيران بذلك، بل دعمت تيارات ليست لها علاقة بالإسلام مثل تيار ميشيل عون أو حركات علمانية كحركة نبيه بري وغيرهما في لبنان من السائرين في ركاب أمريكا، ولذلك هم يؤيدون النظام السوري، وتدعم القائمين على الحراك الجنوبي العلماني في اليمن من دعاة الانفصال الموالين لأمريكا. مما يدل على أن إيران تسعى لتحقيق مصالحها الوطنية والقومية في إطار ما تسمح به أمريكا ضمن مشاريعها، فتلعب إيران دورا إقليميا ضمن هذا الإطار.
ولذلك قام عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني إسماعيل كوثري وطالب بإقالة علي يونسي باعتبار أن تصريحاته تلك قد أضرت بالمصالح الوطنية لإيران، لأنها تفضح السياسة الإيرانية بأنها قومية بحتة وتؤكدها، وأن الدين والمذهب وحب آل البيت وشعار الحسين والانتقام لمقتله وشعارات الموت لأمريكا و(لإسرائيل) ومحاربة الصهيونية والتكفيريين ما هي إلا أدوات يستغلها النظام الإيراني لتحقيق مصالحه الوطنية والقومية وللتغطية على ارتباطه بأمريكا وتعاونه معها ولضرب مشروع الأمة الإسلامية لوحدتها وإقامة خلافتها الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع