أجرى وزير خارجية أمريكا كيري محادثات في منتجع سوتشي بروسيا يوم 12/5/2015 مع نظيره الروسي لافروف وبحضور الرئيس الروسي بوتين. وقد ظهر تلهف الروس إلى مثل ذلك اللقاء، فبدا أنهم يشعرون بالسعادة إذا خاطبهم الأمريكان، فيحسون كأنهم عادوا دولةً كبرى لها اعتبارها العالمي. ولذلك وصف لافروف المحادثات مع نظيره الأمريكي بأنها "رائعة".
فهذه نقطة الضعف عند الروس وبها يتمكن الأمريكان من خداعهم وتسخيرهم. ولذلك تجاوب الروس فورا مع الأمريكان معلنين استعدادهم للتعاون معهم، فقال لافروف "روسيا مستعدة لتعاون بناء مع الولايات المتحدة". وأعلنت الخارجية الروسية أن "المحادثات كانت بناءة وصريحة وتطرقت إلى كل الملفات الحيوية لدى الجانبين".
ولذلك أعلن وزير الخارجية الأمريكي في ختام المحادثات "اتفاق الولايات المتحدة في عدد من القضايا مع روسيا، وضرورة إيجاد سبل لتسوية العديد من الأزمات وعلى رأسها أوكرانيا وسوريا واليمن وليبيا وأفغانستان". فإعلان الأمريكان الاتفاق مع روسيا التي عملوا على عزلها في الفترة الأخيرة بسبب أزمة أوكرانيا وفرضوا عليها عقوبات يثير علامات استفهام عن المغزى من ذلك.
ومما قاله كيري: "نحن نرى أن انتقال السلطة (في سوريا) هذا يجب دعمه، لذلك بحثنا اليوم كيف يمكن للولايات المتحدة وروسيا أن تعملا معا سوية حول هذه القضية في الأيام اللاحقة". وقال إنه "اتفق مع نظيره الروسي على بحث الرؤى الملموسة ومواصلة هذا الحوار في الأسابيع المقبلة وبمزيد من الفعالية". وقال "بالرغم من أن روسيا لا تشارك في التحالف المناهض لتنظيم الدولة إلا أنها تعتبر شريكا مهما في مكافحة التطرف العنيف على النطاق العالمي". فيعني ذلك أن أمريكا تريد أن تستخدم روسيا مرة أخرى في موضوع سوريا حتى تري الناس أنها استطاعت إخضاع الروس وجعلتهم يستعدون للتخلي عن بشار أسد لتزيد من تأثيرها على الثوار بأنها هي القادرة على إيجاد الحل في سوريا لتأتي بهم للتفاوض والقبول بحلولها. مع العلم أن بشار أسد عميل أمريكا وهي التي تقرر ذهابه أو بقاءه وليس روسيا التي تظهر أنها تدعمه ما دام هو في الحكم، فإن ذهب فإنها تتجاوب مع الوضع الجديد الذي تعمل أمريكا على فرضه حسب جنيف1.
وبالنسبة لبرنامج إيران قال كيري: "إن الولايات المتحدة وروسيا هما الدولتان المتحالفتان في السعي إلى عقد اتفاقات جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني وتطبيقها وإن الوحدة بين واشنطن وموسكو في هذا الموضع تعد مفتاحا لذلك". فيفهم من ذلك أن أمريكا تعمل على استخدام روسيا في عزل الثلاثي الأوروبي الذي يشارك في محادثات البرنامج النووي والذي عمل على إثارة هذا الموضوع ليكون له دورٌ دوليٌّ يلعبه بجانب أمريكا وليجد فرصة للولوج إلى إيران بعدما طردت أمريكا الشاه عميل الإنجليز وحلت محلهم.
وبالنسبة لأزمة أوكرانيا أعلن كيري "تمسك الولايات المتحدة بالنظر إلى اتفاق مينسك كطريق رئيس نحو السلام في أوكرانيا، وفي حال تنفيذ الاتفاق كاملا يبدأ رفع العقوبات المفروضة على روسيا من قبل الولايات المتحدة وأوروبا". فيظهر أن أمريكا تريد أن تلعب لعبة أخرى بعدما طرحت فكرة تسليح أوكرانيا، وقد عارضتها ألمانيا وفرنسا بشدة في مؤتمر ميونخ للأمن في شهر شباط الماضي فعقدتا اتفاق مينسك مع روسيا بمنأى عن أمريكا وقد أقنعا الرئيس الأوكراني بورشينكو للسير معهما فوقع الاتفاق، فتريد أن تأخذ هذا الاتفاق لتظهر أنها هي التي ستعمل على تطبيقه لتبعد التأثير الأوروبي المتمثل بالثنائي الأوروبي ألمانيا وفرنسا. ولذلك أظهرت أمريكا كأنها تخلت عن تسليح أوكرانيا وأنها بدأت تضغط على الرئيس الأوكراني بورشينكو فقال جون كيري: "إذا كان الرئيس بورشينكو يدعو إلى بدء عمليات عسكرية فنحن كنا سنوصيه بالتفكير مليا قبل أن يقدم على هذه العمليات".
وقد تجاوب الروس فورا مع الموقف الأمريكي وفرحوا به، فقالوا على لسان وزير خارجيتهم لافروف إنه "اتفق مع نظيره الأمريكي على استخدام نفوذ كل من روسيا والولايات المتحدة على طرفي النزاع في أوكرانيا لحثهما على تنفيذ بنود اتفاق مينسك بشأن تسوية هذه الأزمة"، وإنه "اتفق مع كيري حول خطر محاولات العودة إلى سيناريو استخدام القوة في أوكرانيا وإن صيغ التسوية وأشكالها قد تكون متنوعة" وذكرت الخارجية الروسية "أنهما اتفقا على تنفيذ اتفاق ميسنك في 12 شباط 2015 وتنظيم الحوار بين كييف ودونيتسك ولوغانسك وإلى إجراء إصلاح دستوري شامل في أوكرانيا يعد شرطا أساسيا لإحلال سلام ثابت وعادل في أوكرانيا". فالروس استعدوا للعمل مع أمريكا في الشأن الأوكراني بدون تردد لأنهم يتشوقون للعمل مع الأمريكان ويشعرون أن أمريكا هي الأقدر على تطبيق اتفاق مينسك ويظنون أن أمريكا قد تخلت عن موضوع تسليح أوكرانيا وقبلت بهذا الاتفاق وهذا يحقق لهم ما يريدون.
وقد تحركت أمريكا لتظهر جديتها في موضوع تطبيق اتفاق مينسك فأرسلت يوم 17/5/2015 مساعدة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند إلى موسكو "لبحث الخطوات اللاحقة حول تطبيق اتفاقيات مينسك" فقالت قبل يوم عندما زارت أوكرانيا ومكثت فيها ثلاثة أيام واجتمعت مع رئيسها بورشينكو وغيره من المسؤولين الأوكرانيين: "شعب الولايات المتحدة يقف إلى جانب الشعب الأوكراني في سعيه إلى إقامة دولة ديمقراطية مستقرة وأوروبية مزدهرة". وقالت إنها: "ستبحث في موسكو كذلك العلاقات الثنائية وتلتقي ممثلين عن المجتمع المدني". فأمريكا تريد أن تلعب الدور الرئيس في موضوع أوكرانيا لتبعد أوروبا وخاصة الثنائي الأوروبي عن التأثير الرئيس هناك ولتجعل دوره ثانويا وتحت مظلتها، وتريد أن تلعب داخل روسيا نفسها عندما تلتقي ممثلين عن المجتمع المدني.
وقد أصبحت أمريكا تستخدم أسلوب دعم منظمات المجتمع المدني والاتصال بها لتؤثر على النظام في البلد ولتثير الشارع متى شاءت أو تستغله لصالحها. والجدير بالذكر أن أمريكا استغلت منظمات المجتمع المدني والأحزاب في أوكرانيا وأثارتها ضد الرئيس السابق لأوركرانيا يانوكوفيتش، وقد ساهمت المسؤولة الأمريكية نولاند شخصيا في تأجيج الشارع الأوكراني، حتى إنها نزلت مع السفير الأمريكي في أوكرانيا إلى الشارع يوم 11/12/2013 وبدأت بتوزيع الخبز على المتظاهرين والشرطة في ميدان الاستقلال بكييف.
وهكذا يتبين أن أمريكا أرادت أن تبعد أوروبا وخاصة الثنائي الأوروبي عن لعب دور منافس لها في أوكرانيا، فذهبت وأظهرت تبنيها لاتفاق مينسك الذي عقده الثنائي الأوروبي مع روسيا وأوكرانيا، وأظهرت كأنها تخلت عن خطتها بتسليح أوكرانيا، وهي تعمل على ضمها إلى الناتو والتفرد بالنفوذ فيها جاعلة الدور الأوروبي ثانويا وتخدع الروس بأنهم حققوا ما أرادوا. وتريد أن تضعف دور الثلاثي الأوروبي في موضوع برنامج إيران النووي للتفرد بموضوعه مستقوية بروسيا. وتريد أن تتقوى بها في اليمن وليبيا ضد أوروبا وخاصة بريطانيا. وتريد استخدامها مرة أخرى في موضوع سوريا حتى تري الجميع وخاصة الثوار في الداخل بأنها هي القادر الوحيد على إيجاد الحل وأنها جادة في تطبيقه لتأتي بهم للتفاوض.
فعلى الثوار في سوريا أن لا يقعوا في فخ أمريكا وأن يبقوا رافضين للحلول الأمريكية وأن يصروا على إسقاط النظام العلماني برمته وليس إبعاد رأس النظام وبعض أعوانه، وأن يصروا على إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بها عزهم في الدنيا والآخرة.
رأيك في الموضوع