تشهد بوروندي منذ أواخر نيسان/أبريل، 2015 موجة مستمرة من الاحتجاجات والمظاهرات والمناوشات من قبل رعاياها. وقد أدت المظاهرات وأعمال العنف إلى خسائر في الأرواح وإصابات ونزوح حوالي 150،000 شخص إلى دول الجوار، خاصة تنزانيا وأوغندا، للنجاة بأنفسهم والمحافظة على حياتهم بعد الفوضى.
ثم أعقبت الفوضى محاولة انقلاب للإطاحة بالرئيس الحالي، بيير نكورونزيزا، من السلطة. وكان زعيم محاولة الانقلاب اللواء البوروندي المتقاعد غودفروا نييومباري، والذي كان في الماضي ولفترة وجيزة على رأس جهاز المخابرات، ثم تم عزله في وقت لاحق بسبب معارضته ترشح الرئيس بيير نكورونزيزا لولاية ثالثة في السلطة. وتمت محاولة الانقلاب الفاشلة عندما كان الرئيس الحالي يحضر اجتماع المصالحة في دار السلام لحل المحنة في بلاده.
إن العامل الذي أدى إلى حدوث الفوضى والانقلاب الفاشل في بوروندي هو ما أعلنه الحزب الحاكم (CNDD-FDD) أن الرئيس بيير نكورونزيزا سيترشح لفترة رئاسية ثالثة. وهي خطوة ادعى المتظاهرون والجمهور بشكل عام بأنها مخالفة للدستور وتنتهك اتفاق أروشا للسلام والمصالحة. بينما جادل الرئيس نكورونزيزا وأنصاره بأن ولايته الأولى كانت منصبا تم تعيينه فيه تعيينا، وبالتالي لا تقع ضمن حدود الفترتين الرئاسيتين. وأيدت هذا التفسير أيضا المحكمة الدستورية في البلاد.
إن ما يحصل في بوروندي، في نطاق مشهدها السياسي الأوسع، ما هو إلا صراع المصالح والنفوذ السياسي بين القوى الاستعمارية في استغلال موارد أفريقيا. لا سيما أمريكا التي لديها الحماس الجامح لتعزيز نفوذها والمحافظة على مصالحها، في وجه النفوذ الأوروبي، من خلال وكيلها، الرئيس الحالي بيير نكورونزيزا، والذي يبدو أن أمريكا حذرة من الوريث الذي سيأتي بعده.
إن كامل منطقة البحيرات الكبرى التي تشكل بوروندي جزءاً منها هي منطقة ذات أهمية استراتيجية ملحة للرأسماليين على اختلافهم، وخصوصا أنها بوابة للمناطق الحيوية الأخرى التي لديها ثراء واسع مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا)، الخ.
كما تشمل المنطقة بحيرة فيكتوريا، ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم من حيث المساحة والأكبر في أفريقيا، في حين أن بحيرة تنجانيقا، هي ثاني أكبر بحيرة في العالم من حيث الحجم والعمق. وعلاوة على ذلك فإن بحيرات الأخدود الإفريقي العظيم هذه تمثل البيت القديم لتنوع بيولوجي كبير؛ حيث توجد هناك 10 في المئة من أنواع الأسماك في العالم. وتحوي بحيرات فيكتوريا، وتنجانيقا، ونياسا/ ملاوي ربع إمدادات المياه العذبة على كوكب الأرض.
من ناحية أخرى، فإن الدول الأوروبية، والتي هي القوى الاستعمارية السابقة في بوروندي، تتلهف لاسترجاع بوروندي إلى نفوذها.
نشأت بوروندي كدولة واحدة مع رواندا تحت الحكم الاستعماري الألماني/ شرق أفريقيا الألمانية؛ المعروفة باسم رواندا-أوروندي. وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، أخذت الأرض من ألمانيا، ومنحت لبلجيكا التي قسمتها إلى رواندا وبوروندي. وكانت بلجيكا، ولمصالحها السياسية في رواندا-أوروندي قد أبقت على نطاق واسع العداء القبلي بين الهوتو والتوتسي، وهما أكبر قبيلتين في المنطقة. وهي الحالة التي أدت إلى تفجر العداء القبلي والتي بلغت ذروتها في الإبادة الجماعية عام 1959، حيث هاجمت قبيلة الهوتو قبيلة التوتسي وذبحت منهم الآلاف. هرب العديد من التوتسي إلى أوغندا وبوروندي والكونغو وتنزانيا فرارا من الاضطهاد.
وحتى الآن، فإن جميع البلاد المجاورة لرواندا وبوروندي تستضيف أعداداً كبيرة من الناس من هذه القبائل.
إن بوروندي، على الرغم من كونها تعتبر واحدة من أفقر البلدان في العالم، إلا أنها بلد مغمور بالموارد الطبيعية الهائلة وبيئة مليئة بالرطوبة بين دول البحيرات العظمى. وهي واحدة من أكبر 10 منتجين للبن في أفريقيا. ووفقا للبنك الإفريقي للتنمية فهي تمتلك 6 في المائة من احتياطيات العالم من النيكل. وعلاوة على ذلك، فهي منبع نهر النيل الموصولة من بحيرة فيكتوريا إلى منابعه عبر نهر روفيرونزا. ومن بين البحيرات الرئيسية في شرق أفريقيا، بحيرة تنجانيقا، والتي تقع في الجزء الكبير من الزاوية الجنوبية الغربية لبوروندي.
وعلى الرغم من أن رئيس بوروندي، بيير نكورونزيزا، ليس من خلفية التوتسي، فإن من المعروف أن أمريكا قد لعبت بورقة القبلية للحفاظ على نفوذها في أوغندا ورواندا وبوروندي والتي في كثير من الحالات كانت تحكمها رجال قبائل التوتسي التي تدعمها أمريكا منذ عام 1994م.
فعلى سبيل المثال، عندما استولى المتمردون التوتسي الذين تدعمهم أمريكا، على السلطة في رواندا في عام 1994م، فإن الجناح الشرقي من الكونغو جنبا إلى جنب مع هذه الدول الثلاث قد بنى قلعة هائلة من النفوذ الأمريكي في قلب القارة الأفريقية. وهكذا تمكنوا من اقتلاع النفوذ البريطاني والفرنسي من المنطقة.
ولهذا السبب بالذات، فإنه خلال محاولة الانقلاب ضد رئيس بوروندي قللت الولايات المتحدة من شأنها حتى إنها لم تؤكد ما إذا كان قد حدث انقلاب.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيف راثكي في مؤتمر صحفي: "بالتأكيد نحن على علم بتقارير من أن البعض يعبرون عن رغبة في الاستيلاء على السلطة عسكرياً، ولكن لا نستطيع تأكيد ذلك".
ويدل هذا البيان على أن أمريكا سيطرت وضمنت إفشال الانقلاب من خلال حلفائها في الجيش البوروندي؛ أو عن طريق حلفائها في دول الجوار وخاصة بالنظر إلى حقيقة أنه كان هناك سوء فهم حول نجاح أو فشل الانقلاب. وفي واقع الأمر لوحظ أن الانقلاب كاد أن ينجح تقريبا إن لم يكن قد نجح تماما! ثم تم التمويه على مدبري الانقلاب حيث كان الرئيس نكورونزيزا مختبئاً لبعض الوقت. وعندما ظهر الرئيس بقي مختبئا في مسقط رأسه في ولاية نغوزي في الشمال على الحدود مع رواندا، وهي دولة موالية لأمريكا؛ وكأن الرئيس نكورونزيزا كان ينتظر أمرا بالعودة إلى العاصمة بوجمبورا.
في وقت لاحق، أصدرت أمريكا بيانا صحافيا رسميا تؤكد دعمها لرئاسة نكورونزيزا من خلال المتحدث باسم وزارة الخارجية جيف راثكي الذي قال: "هناك ادعاءات متنافسة على السلطة ولكننا نؤكد أن الرئيس نكورونزيزا رئيس شرعي".
ولذلك فمن الواضح وضوح الشمس أن الرئيس بيير نكورونزيزا، على الجانب الأمريكي، بينما اللواء غودفروا نييومباري، فهو في الجانب الأوروبي، وهو ضابط عسكري بوروندي الذي قاد الانقلاب والذي يعتقد أن إقالته من قبل بيير نكورونزيزا، كانت بعد تسريبه لمذكرة له من 10 صفحات، ضد محاولة الرئيس نكورونزيزا للترشح لفترة ولاية ثالثة..
في الوقت نفسه، أوقف الاتحاد الأوروبي مساعداته للبلاد كما أن مؤسسات الفكر والرأي لديها تنظر إلى محاولة الانقلاب على أنها رمز لطيف: كما كشف عنه فيليب رينتجنز، أستاذ القانون والسياسة في جامعة أنتويرب في بلجيكا وخبير في منطقة البحيرات العظمى الذي قال: "لو نجح هذا الانقلاب وتعزز فإن هذا قد يكون ما يمكن أن يطلق عليه الانقلاب العسكري الجيد".
إن أفريقيا، تحت نير الفكر الرأسمالي، وعلى الرغم من أنها تغمرها الموارد الطبيعية والثروات الهائلة، لا تزال تعتبر من أفقر القارات في العالم!! ونتيجة لذلك، فإن سكانها دائما ضحايا كونها ساحة صراع السياسي بين الدول الرأسمالية.
إن أفريقيا، في حاجة ماسة لدولة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة لتخليص سكانها وإنقاذ مواردها الطبيعية الهائلة التي تباع دون المستوى إن لم يكن يتم سرقتها.
رأيك في الموضوع