أيّام قليلة تفصلنا عما يسمى بعيد "الاستقلال" وها هي الدّولة تستعدّ للاحتفال به، فمن المنتظر أن يتمّ يوم 20 آذار/مارس 2017 تدشين علم ضخم على طول نحو 60 مترا وقد أشرفت وزارة التّجهيز والإسكان على تشييد هذا العمل بكلفة نحو 300 ألف دينار.
أموال طائلة تهدر على الاحتفالات والأعياد التي تواترت في هذا الشهر في حين تشهد البلاد أزمة اقتصاديّة وغلاء أسعار أضعفت المقدرة الشرائيّة للناس وجعلت معظمهم يقتربون من مستوى خطّ الفقر خاصة مع كثرة عدد العاطلين عن العمل وارتفاع نسبة البطالة.
منذ أيّام احتُفِل كذلك باليوم الوطنيّ للّباس التّقليديّ وجُنِّدت للحديث عنه وسائل الإعلام وواكبته المدارس والمؤسسات تكريسا لمفهوم الوطنيّة وإرساء لرابطته العقيمة التي لا ترتقي بالإنسان الذي كرّمه الله بالعقل ليكون خير مخلوقاته وليحيا برابطة راقية صحيحة لا تعترف بحدود ولا بلون ولا بجنس: رابطة العقيدة الإسلاميّة «لا فرق بين عربيّ ولاأعجميّ ولا أبيض ولاأسود إلّا بالتّقوى».
وفي الثامن من هذا الشهر ملأت اللاّفتات الشّوارع ونصبت المجالس للحديث عن اليوم العالميّ للمرأة والاحتفال بالإنجازات التي حظيت بها المرأة في تونس، فقد نالت - كما يروّج له - من الحقوق والمكاسب ما تحسدها عليه نساء الدّول العربيّة ولكنّ الواقع يفنّد ذلك ويكشفه ويعرّيه ويبرز الصّورة الحقيقيّة القاتمة لما تعيشه المرأة في تونس بل وفي العالم كلّه من اضطهاد وقهر وفقر واستغلال وتعنيف، وقد جهرت به الحكومات وقدّمت فيه أرقاما وإحصاءات...
في تصريح لوزيرة المرأة والطّفولة التّونسية نزيهة العبيدي في 25/11/2016 لميدل إيست أونلاين فضحت ما آل إليه حال المرأة في تونس مشدّدة على أنّه "إذا أردنا النّهوض بمجتمعنا وبكافّة مجتمعات العالم، فعلينا مواجهة هذه الظّاهرة التي تعيشها النّساء في كلّ العالم.. لا بدّ من حماية الإنسان عامة، والمرأة خصوصا؛ فهي عنصر أساسيّ في التّنمية.. القوانين التي تناهض العنف ضدّ النّساء تنعكس في الواقع على الأسرة والمرأة والأطفال". وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا العنف لا يقتصر على مرحلة عمرية محددة، فهو، وفقا للوزيرة التونسية، "يمسّ المرأة في جميع مراحل حياتها طفلة وشابة وامرأة وكهلة... والمؤشّرات العالميّة والدّوليّة تدقّ ناقوس الخطر".
أجل! ناقوس الخطر يدقّ، كيف لا؟ وواقع المرأة في العالم وفي تونس تحديدا يناقض تماما ما يروّج له عن حقوقها وحرّياتها. فالمكاسب المزعومة ليست سوى مغالطات وافتراءات وأكاذيب تؤلَّف لتعطي صورة مشرقة مضيئة عن واقع المرأة في تونس، ولكنّ الحقائق والأرقام تكشف قتامة هذه الصّورة وتبرز زيفها وتظهر الواقع المظلم الذي تعيشه هذه المرأة وخاصّة الرّيفية التي تمثّل نسبة مهمّة من عدد نساء تونس؛ فوفق الدّراسة الأخيرة التي كشفت عنها وزيرة المرأة والأسرة والطفولة يوم 19 تشرين الأول/أكتوبر 2016 فإنّ 10.3% من العاملات في الأرياف ضحايا حوادث شغل، وأنّ 21.4% معرّضين لمخاطر حوادث الشّغل خاصّة وأنّ 62.3% يعملن في ظروف صعبة. وأثبتت الدّراسة التي تمّت بعدّة ولايات أنّ أعمار العاملات في الأرياف تتراوح بين 16 و82 سنة وتصل نسبة الأمّية في صفوفهنّ إلى 40% مقابل 6.2% متحصّلات على شهادة تعليم عال.
كما تحدّثت تقارير إعلاميّة تونسيّة، في الفترة الأخيرة، عن معاناة النّساء الرّيفيّات العاملات في القطاع الفلاحيّ، وتعرّضهنّ لكثير من حوادث السّير، بحكم وسائل النّقل الرّديئة التي تنقلهنّ.
تواصل الوزيرة تصريحاتها الكاشفة لسوء حال المرأة وما تعانيه في كلّ مراحل حياتها، ففي يوم 02/03/2017 أفادت بأنّ مصالح الوزارة رصدت حالات متاجرة سماسرة بفتيات منقطعات عن الدّراسة في أسواق أسبوعيّة بعدد من جهات البلاد وذلك بقصد تشغيلهنّ كمعينات منزليّات... أثار تصريحها هذا جدلا واسعا وموجة من الاستنكار على مواقع التّواصل الإلكتروني، وقد أكّد أحد الناشطين أنّ الظّاهرة قديمة وتعود إلى زمن حكم بن علي. وقال إنّها موجودة في عدد من الأحياء الرّاقية في العاصمة بشكل خاصّ ودعا إلى مساءلة الحكومة عن سبب تأخّرها في الاعتراف بهذه الظّاهرة والتّقاعس عن مكافحتها... لقد أصبحت الفتاة - المرأة - تباع وتشترى فيُعتَدى عليها جسديّا بالتعنيف وبانتهاك عرضها دون أن تجد من يذود أو يدافع عنها ودون أن تجد دولة وراعيا يضرب على أيدي ظالميها!!...
أجواء شهر آذار/مارس أجواء احتفالات وأعياد توحي بالسّعادة وترسم صورة مشرقة عن وضع المرأة وعن وضع البلاد عموما ولكنّ هذه الصورة شُرخت بحقائق أسقطت القناع وأظهرت الوجه الحقيقيّ المؤلم الذي تسعى الحكومات والنّظام القائم عليها لإخفائه عبر عمليّات تجميليّة فاشلة.
فهذه الحقوق موهومة والاستقلاليّة مزعومة يشرف عليها نظام عالميّ خدع المرأة بشعارات رفعها وبحقوق أوهمها أنّها كسبتها وهي في واقع الأمر تدور في رحاه مكبّلة بسلاسل مفاهيمه التي لن تتحرر منها ما دامت تعيش كذبة التحرّر من براثن استعماره وتحتفل بيوم تحسبه يوم استقلال.
إنّ المرأة في كلّ بقاع العالم تنتظر نظاما يراعي خصوصيّتها كأنثى وكإنسان ويوفّر لها الرّعاية والحماية ولا يفرّق بين المرأة في الرّيف والمرأة في المدينة ولا يتسامح مع من يسيء إليها في صغرها وصباها وكبرها، مصونة يذود ويدافع عنها ضدّ من ينتهك عرضها، تنتظر نظاما من ربّها من خالقها، نظاما تنفّذه دولة قويّة تقود العالم لتحييه في طمأنينة وخير ورخاء؛ إنها دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بقلم: زينة الصّامت
رأيك في الموضوع