جاء في بيان صحفي صادر عن المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أمريكا: في الجاهلية، كانت العرب تصنع بعض آلهتها من التمر، فإذا جاعوا أكلوها! واليوم، يعيد التاريخ نفسه، ولكن في صورة أكثر تعقيداً. فالغرب الذي رفع شعار الحرية إلى مرتبة التقديس؛ حرية الفكر والوجدان والدين، وحرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع السلمي، وحرية المشاركة السياسية، وحماية حقوق العرقيات الصغيرة، وحظر التعذيب والمعاملة القاسية،... هو نفسه الذي يتنكر لهذه القيم حين تصطدم بمصالح الرأسماليين والنخب الحاكمة.
وقال البيان: في بعض دول أوروبا، يُحظر على المرأة المسلمة ارتداء الحجاب في المدارس وأماكن العمل وبعض الأماكن العامة، رغم أنه وفقاً لنظريتهم الليبرالية، يُعتبر من الحريات الشخصية، ولكن يبدو أن هذه "الحرية" مشروطة بخدمة الأجندة الثقافية والسياسية المسيطرة... واليوم، نشهد تناقضاً صارخاً آخر في الولايات المتحدة، فحين عبّر طلاب الجامعات عن آرائهم داخل الحرم الجامعي، مستنكرين سياسة الدعم المطلق للإبادة الجماعية والتهجير القسري في غزة، وهو حق مكفول دستورياً في أمريكا، قامت إدارة ترامب ومن خلفه أصحاب النفوذ المالي والسياسي بتجريمهم، وهددت بطردهم من الجامعات، بل حتى بترحيل الطلاب الأجانب منهم!
وأضاف البيان الصحفي: لقد فضحت أحداث غزة زيف الادعاء الغربي بتقديس الحريات، وأكدت أن الحرية في المنظومة الرأسمالية ليست سوى أداة تُستخدم ما دامت تخدم النخب الحاكمة، أما إذا تعارضت مع مصالحهم، فهي تُسحق بلا تردد.
وفي سؤال وجهه للعالم أجمع، قال البيان: ألم يَحِن للعالم أن يعيد النظر في الإسلام؟ الإسلام الذي لم يجعل الحرية شعاراً أجوف، بل حوّلها إلى منظومة متكاملة تحرر الإنسان من العبودية للبشر، وتُقيم الحقوق على مبدأ العدل لا المصالح. وقفت امرأة لعمر وهو يخطب بالناس فصححته، فلم يندد ويستنكر وهو أمير المؤمنين وخليفتهم، بل قال متواضعا: "أخطأ عمر وأصابت امرأة"، وفي موقف آخر قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"!
وأضاف: الإسلام منح الحقوق والواجبات للبشر بوصفهم بشرا، دون تمييز بين الرجل والمرأة، أو بين الأعراق والأجناس. الإسلام لم يفرض الإيمان بالإكراه، قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾، بل جعله قراراً قائماً على العقل والتأمل، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾... وأوجب الوقوف مع الحق حتى وإن تعارض مع المصالح الشخصية والفئوية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ فكان بذلك نموذجاً لمجتمع تسوده الرحمة والعدل.
واختتم البيان الصحفي بدعوة للمسلمين، قال فيها: إننا ندعو المسلمين إلى إعادة اكتشاف دينهم، لا بوصفه مجرد موروث ثقافي، بل كمنهج شامل يعيد بناء مجتمع يحكم بشرع الله. كما ندعو المجتمع في أمريكا ومفكريه، وكل من يسعى إلى الحقيقة، إلى تجاوز التشويه الإعلامي للإسلام، والنظر فيه بعقل منفتح، بعيداً عن التحيزات الأيديولوجية، وسيجدون فيه البديل العادل والمُنقذ للعالم من هيمنة المصالح الضيقة التي تدوس على القيم حين لا تخدمها.
رأيك في الموضوع