إن القيادة السياسية في المجتمع تقوم مقام الرأس من الجسد، فهي تنظم طاقات الناس وتسير بهم نحو تحقيق المشروع الذي قدمته لهم، والناظر إلى الثورات في البلاد الإسلامية يرى بوضوح كيف سعى الغرب الكافر المستعمر للالتفاف عليها فأجهض بعضها مثلما فعل في مصر وتونس والسودان، وما زال يسعى لإجهاض بقيتها مثلما يفعل في اليمن وسوريا، وما مكنه من ذلك إلا غياب القيادة السياسية المبدئية عن هذه الثورات.
فالشعوب التي ثارت ضد قيادتها السياسية وما تحمله هذه القيادة من مشروع علماني رأسمالي عاث في الأرض الفساد، هذه الشعوب كانت مشكلتها أنها لم تتخذ قيادةً سياسيةً تنظم لها ثورتها وترسم طريقها وتوجه طاقاتها. فأصبحت جسداً بلا رأس يقودها، فتشتتت طاقتها وتباطأت حركتها، وهذا طبيعي رغم أنه غير مقبول، فعندما تقوم لتغيير قيادة سياسية فمن البديهي أنك تحتاج لقيادة جديدة تسد الفراغ مكان سابقتها، فلا يمكن لأي مجتمع أن يعيش بلا قيادة سياسية، ونظرة واحدة إلى كل دول العالم تدل دلالة قاطعة على هذا الأمر.
والجماعة المؤهلة لتلك القيادة يجب أن تمتلك مشروعاً سياسياً مكتوباً حتى تطلع الأمة عليه، يوضح رؤيتها لكيفية تنظيم علاقات الناس في الحكم والاقتصاد والاجتماع والقضاء والسياسة الداخلية والسياسة الخارجية، وهذا المشروع هو محل العقد، وطرفا العقد هما الأمة والحاكم، فالمشروع يبين للناس حقوقهم وواجباتهم ويبين للدولة حقوقها وواجباتها، وبناء عليه تتم المحاسبة.
ومن يتعمق بفعل النبي ﷺ في دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه يجد أنه صنع من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين رجالَ دولةٍ كانوا أهلاً لقيادة الأمة من بعده، قيادةً سياسيةً على أساس العقيدة الإسلامية، فبعدما حكم الناس في المدينة بكتاب الله وسنته ﷺ أمرنا أن نهتدي بهديه وبسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ثقةً منه بقدرتهم على قيادة الأمة.
وكان مما أصاب ثورة الأمة في سوريا نتيجة غياب القيادة السياسية المبدئية عنها أن صارت جزءاً من مشروع غيرها من حيث تدري أو لا تدري، وما تحويل النظام التركي لمجاهديها إلى مرتزقة في ليبيا وأذربيجان إلا صورة من صور تحولهم إلى أدوات لخدمة مشاريع الغرب المستعمر.
فإن لم يدرك أهل سوريا أهمية القيادة السياسية اليوم فمتى؟! وإلى متى سيبقون بلا قيادة سياسية تقود دفة الثورة نحو بر الأمان؟ وإلى متى سيبقى قادة فصائلهم عبيداً للداعم وهم صامتون لا يأمرونهم بمعروف ولا ينهونهم عن منكر مخافة بطشهم؟!
إن أولى خطوات النصر لثورة الشام أن يوسد الأمر إلى أهله رغم أنف القادة المرتبطين مسلوبي الإرادة، وأن تكون هذه القيادة ذات مشروع واضحٍ على أساسه تتم محاسبتها، وليس أي جماعة تدعي أنها صاحبة مشروع في حين إن لسان حالها أبلغ من مقالها يثبت أنها أداة رخيصة بيد المخابرات والداعم، وليعلم أهل الشام جيداً أن ضريبة الصمت عن هذا الأمر أكبر بكثير من ضريبة القول والعمل الذي يرضي الله عز وجل.
قال تعالى: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
رأيك في الموضوع