تتردد على ألسنة كثير من المسلمين العاديين وأبناء الحركات الإسلامية قادة وأفراداً عبارة "كن واقعيا"! وهي تعني عند من يرددها ويروج لها الخضوع للأمر الواقع والقبول بالوضع القائم وعدم العمل والسعي لتغييره مهما كان فساد هذا الواقع ظاهراً للعيان.
وحين تدعو أحدهم إلى السعي للنهوض والعمل لإيجاد واقع جديد يتوجب علينا العمل له نحن المسلمين لنغير هذا الواقع السيئ الذي نعيشه، وحياة الضنك التي نرزح تحتها، وفوق ذلك نضع بين يديه مشروعاً سياسيا منبثقا من عقيدتنا العظيمة ينتشلنا من هذا الفساد المُطْبق في كل الأصعدة وفي جميع نواحي الحياة، يردّ عليك بكل برود، بل بكل ظلامية وجمود بعبارة (كن واقعيا)! أي ابق على حالك التي أنت عليها، واركن إلى واقعك الذي أنت عليه ودعك من عنت ومشقات العمل للتغيير الجذري النهضوي؛ وإن أردت التغيير لا محالة فابحث لك عن حل تقدر عليه من واقعك الذي تعيشه، تماشى مع واقعك يا أخي وجنب نفسك وأهلك وشعبك وبلدك مزيدا من المعاناة والعذاب، ومزيدا من سفك الدماء والتضحيات!
(كن واقعيا)! عبارة تخالف ما كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، إذ عمل ﷺ على تغيير واقع الكفر والفساد الذي كان يعيشه الناس إلى واقع إسلامي ينهض ويرتقي بهم وفق شرع الله سبحانه وتعالى فيسعدوا ويعزوا به، ويرضى عنه ربهم سبحانه وتعالى ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، ورغم العروض والحلول التي قدمتها قريش لرسول الله ﷺ، ورغم اتباعها أساليب الترهيب والترغيب، إلا أنه صلاة الله وسلامه عليه أبى إلا تغيير ذلك الواقع الفاسد بحسب أوامر الله تعالى، والتحول به إلى طراز عيش فريد من نوعه يرضي رب العالمين، فأكرمه الله تعالى بإقامة دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، التي سرعان ما غيرت وجه الأرض بأحكام الإسلام وسلطانه.
(كن واقعيا)! عبارة يراد منها تخذيلك وإحباطك، وأن تجعلك تقبل بالفساد والإفساد، وكل ما لا يرضى عنه ربك تبارك وتعالى.
(كن واقعيا)! أي اجلس في بيتك ولا تعمل على تغيير الواقع الفاسد الذي تئن تحت وطأة ظلم سدنته وتسلطهم وجبروتهم.
(كن واقعيا)! يعني أن تقبل بالحلول السياسية التي يسوقها لك الغرب الكافر المستعمر وفي مقدمته أمريكا الصليبية رأس الكفر وأمّ الإرهاب؛ لتصفية قضيتك، وإجهاض ثورتك، ونهب ثروتك، وسلب إرادتك، فتبقى تابعا لهم.
فكيف يكون واقعيا بهذا المعنى؛ ذلك الذي خرج في ثورة على نظام مجرم ظالم، نظام تابع ذليل للغرب الكافر المستعمر؟!
كيف يكون واقعيا بهذا المعنى؛ ذلك الذي ضحى بالنفس والنفيس في سبيل إسقاط ذلك النظام بكل أركانه ورموزه؟!
قل كلا، تبا لواقعيتكم، ولسوف أعمل جاهدا لتغيير هذا الواقع بإسقاط أنظمة الذل والعمالة القائمة في بلاد المسلمين، ولأسعينّ بكل طاقتي مع الساعين المخلصين؛ لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض. قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾.
رأيك في الموضوع