الموقف الدولي هو هيكل العلاقات القائمة بين الدولة الفاعلة في المسرح الدولي. ومع كثرة الدول العاملة على المسرح الدولي إلاّ أن الدول الفاعلة فيه قليلة تبعاً لقوة تلك الدول. ولما كان واقع كل دولة يعتريه التغير والتبدل قوة وضعفاً، فإن العلاقات بين هذه الدول يعتريها التغير والتبدل تبعاً لذلك. وقد يحدث هذا التغير والتبدل بسبب حرب تطيح بدولة، وتضعف أخرى من التأثير في المسرح الدولي، فيندفع غيرها ليحل محلها. وقد يحدث التغير والتبدل وقت السلم، من خلال عملية التطور التدريجي للقوى، فتضعف دولة وتقوى أخرى، إلاّ أن الحرب أفعل في التغيير. ومع هذا التغير والتبدل في أحوال الدول وقواها يتغير الموقف الدولي، إما في تغير هيكلية العلاقات، وإما في تغير أطرافها. ونظراً لأن التغير في أحوال وقوى الدول الفاعلة في المسرح الدولي ليس سريعاً، فإن التغير في الموقف الدولي يحتاج إلى فترات طويلة.
وقوة الدولة لا تنحصر في قوتها العسكرية، وإنما تشمل جميع الطاقات والقدرات المادية والفكرية والمعنوية التي تستطيع الدولة تعبئتها وحشدها خارج حدودها، فهي تشمل المبدأ أو الرسالة العالمية التي تحملها الدولة رسالة للعالم، كما تشمل القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والمهارة في الأعمال السياسية والحنكة في الدبلوماسية....
ولفهم الموقف الدولي والسياسة الدولية، لا بد من خطوط عريضة تبين الواقع السياسي لكل دولة وعلاقاتها بغيرها من دول العالم، وخاصة الدول الكبرى التي تؤثر على سير الأحداث في العالم، مع ملاحظة الخطط السياسية للدول في أساليب تنفيذها، وفي المناورات السياسية التي تقوم بها هذه الدول. والدول في عملها السياسي إنما ترعى مصالح الأمة، وتقيم علاقاتها بغيرها حسب هذه المصالح، فالدولة التي تعتنق مبدأ معيناً وتحمله للعالم فإنها تجعل المبدأ عاملاً فعالاً في علاقاتها الدولية وتحديد مصالحها خارج حدودها. لذلك كان لزاماً على الأمة الإسلامية، وهي تعمل لإقامة الدولة الإسلامية وحمل الدعوة إلى العالم، أن تعرف الدول من حيث الأفكار التي تعتنقها، هل هي دول مبدئية أم غير مبدئية، وحينئذ تعرف العوامل التي تؤثر في علاقاتها ومصالحها الدولية، وأن تتتبع هذه العلاقات، وأن تدرك خفاياها ومراميها، وأن تميز بين المناورة وغير المناورة، وأن تفرق بين العمل وأهدافه، وأن تكون واقفة على آخر وضع تكون عليه العلاقات الدولية.
غير أنه ينبغي أن يكون واضحاً أن الموقف الدولي لا يظل ثابتاً على حال واحدة، فهو يتغير حسب الأوضاع الدولية، وأن موقف كل دولة من الدول لا يلزم حالة واحدة من ناحية دولية، وإنما تتداوله حالات متعددة من ناحية القوة أو الضعف، ومن ناحية قوة التأثير أو عدم التأثير، ومن ناحية تفاوت العلاقات بينها وبين الدول، واختلاف هذه العلاقات. وهذا يقضي بدوام تثقيف الأمة تثقيفاً سياسياً، وجعلها تتتبع وتدرك السياسة الخارجية تتبعاً دائماً وإدراكاً واقعياً، وأن يكون حمل الدعوة الإسلامية هو الحكم على هذه السياسة والمسير لها.
هذه هي الأسس التي تتعلق بفهم الموقف الدولي والذي يجب على السياسي أن تكون لديه معلومات عنه، ومتابعته حتى تتضح له الأمور ويستطيع بالتحليل السياسي أن يصدر حكمه على كل حدث سياسي فيكون حكمه أقرب إلى الصحة والواقعية. وذلك أن التحليل السياسي هو الطريقة التي يتم بها الحكم على أي حدث سياسي في أي منطقة من مناطق العالم، ويعتمد على فهم الواقع السياسي لذات المنطقة أو البلد، وفهم علاقة هذا الواقع السياسي بالسياسة الدولية.
عن كتاب أفكار سياسية لحزب التحرير
رأيك في الموضوع