عَنْ أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عنِ النَّبي ﷺ قال: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسنٌ.
إن للصدع بالحق تبعات لا يستطيع تحملها إلا عباد الله المخلصون العاملون على نيل رضاه بتحكيم شرعه ورفع راية دينه. هذا الحق يخالف هوى أصحاب النفوذ ويهدد مصالحهم؛ لذلك فهم يعلنون حربهم عليه وعلى الداعين له ويسعون جاهدين للحيلولة دون ظهوره للناس بالتشويه والأكاذيب والافتراءات، وبالتخويف والتنكيل والترهيب والتقتيل حتى يلجموا هذه الأصوات الدّاعية للخير. ولكن رغم كل ذلك يصدع هؤلاء المخلصون بالحق دون خوفٍ أو تردد، ويبذلون النصح للمسلمين ولا يتوقفون عن قول الحق والدعوة إليه والمناداة باتباعه وجعله منهجا للحياة كلها، يدفعهم في ذلك شعورهم بالمسؤولية والأمانة وحب الخير للناس كافة. فعلى المسلم المحب لله أن يغار على دينه ويحول دون أن تنتهك حرماته، فحبه هذا يجعله يحب أن يكون الخلق كلهم عبيداً لله طائعين له لا يعصونه ولا يتجاوزون حدوده. قال بعضهم: وددت لو أنّ لحمي قرض بالمقاريض، وأنّ أحداً لم يعص الله عز وجل.
عن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
لذلك فليكن قلب كل مسلم مملوءا بالثقة بنصر الله وتأييده وتمكينه، ليكن كل مسلم متوكلا على الله وحده ولا يخشى أحدا سواه، ليكن كل مسلم صوتا للحق جاهرا به يقف في وجوه الطواغيت المجرمين ويعمل على اقتلاع هذا النظام الرأسمالي الفاسد القابع على صدور الناس، ليكن كل مسلم ثابتا قويا لا يضره ما يلحق به من أذى في سبيل ذلك لأنه ابتلاء من ربه يمحص به قلبه ليجعله من عباده الذين صبروا حين أوذوا وهم يذودون عن دينهم ويعملون لرفع رايته وإعلاء كلمته ولم يبدلوا تبديلا. ليكن كل مسلم صبورا فلا يستعجل النصر فالنصر بيد الله وحده، وليكن كل مسلم على يقين أن العاقبة للمؤمنين ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
كما أنّ الأصل في المسلم أن يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه، ومن هنا كان دوره هو حمل هذا الدين وتطبيقه والعيش في ظله وإيصاله للبشريّة جمعاء بالدعوة والجهاد، بالصراع الفكري والكفاح السياسي، ليحمل لها الهداية والصلاح والخروج من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإسلام، والنجاة في الدنيا والآخرة.
رأيك في الموضوع