حين يُخاطِب الإسلام كل فرد بعينه، فعلى الفرد أن يقوم بما خوطب به، أما حين يخاطب كل المسلمين بوصفهم أمة، ويطلب منهم القيام بعمل بهذا الوصف لا بوصفهم أفراداً، كقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، فإن هذا الخطاب موجه لكل المسلمين، وعليهم جميعاً يقع إثم تعطيل هذه الأحكام، وكذلك عندما يكون الخطاب موجها للرسول ﷺ بصفته رئيس دولة، أو قائداً للجيش، أو راعياً للأمة؛ فهو ابتداءً خطاب لكل المسلمين بوصفهم أمة، وكذلك بقية الأحكام المتعلقة بالحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع ورعاية الشؤون والعقوبات وغيرها، فإن إثم تعطيلها يقع على عامة المسلمين الذين لا يعملون جدياً على تطبيقها.
وبما أن تطبيق الشرع المطلوب من كل المسلمين بوصفهم أمة، لا يمكن للأمة أن تقوم به، لذا أوجب الله أن ينيب المسلمون عنهم خليفة يقوم بهذه الفروض وينفذ هذه الأحكام؛ فيسوس الأمة، ويرعى الرعية، ويحمي بيضة الإسلام، ويقيم الحدود، ويحمي الثغور، ويحمل رسالة الإسلام إلى العالم، ويتعامل مع الشعوب والأمم الأخرى تبعاً للأحكام والقواعد التي جاء بها الإسلام.
وكيفية الإنابة حددها الشرع بنظام دولة الخلافة، التي هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا، لإقامة أحكام الشرع، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. فالخليفة نائب عن الأمة التي لها السلطان وذلك عن طريق البيعة؛ فالسلطان للأمة نقلته إلى الخليفة بالبيعة.
ولا يقال: إن الخليفة نائب عن الله سبحانه وتعالى، فدولة الخلافة ليست دولة دينية بالمصطلح الثيوقراطي، وليس هو نائباً عن النبي في النبوة، فسيدنا محمد ﷺ خاتم الأنبياء، انقطع الوحي بوفاته، وكذلك ليس نائباً عن الخليفة الذي قبله، فلا ولاية عهد للخليفة يعطيها لمن يأتي بعده، وإنما هو نائب عن المسلمين في رعاية شؤون الرعية والحكم بالإسلام.
وكذلك الخليفة ليس وكيلاً أو أجيراً عند الأمة، فالموكِّل يُعَدِّل الوكالة أو يُلغيها، والأجير تُنهى إجارته، فالأمة ليس لها الحق بعزل الخليفة أو تعديل ما اشترطت عليه في البيعة، ولا يجوز لها الخروج عليه إلا في ظهور الكفر البَواح، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» أخرجه مسلم. ومتى انعقدت البيعة للخليفة على الوجه الشرعي فلا يصحّ أن يُعزل، إلا إنْ اختلّ شرط من شروط الانعقاد السبعة، وهي أن يكون: رجلاً، مسلماً، حراً، بالغاً، عاقلاً، عدلاً، قادراً من أهل الكفاية. ولا يُعزل إلا عن طريق محكمة المظالم، سواء أكان الخليفة يُعزل حالاً أم يستوجب العزل.
ولبيان هذا الأمر الذي اختلط على الناس؛ كانت المادة 24 من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير: "الخليفة هو الذي ينوب عن الأمة في السلطان وفي تنفيذ الشرع" (مشروع دستور دولة الخلافة، صفحة 13).
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع