قد يقال كيف يتأتى للأفراد أن يؤثّروا في السياسة العالمية، بل كيف يتأتّى للأحزاب أن تؤثّر في اتجاه الدول، لا سيما وأن هذا الاتجاه قد أخذ دور العراقة واستمر عدة قرون. والجواب على ذلك هو أن الأفراد أو الأحزاب حين يتابعون الأعمال السياسية، ويتفهمون السياسة الدولية لا يصحّ أن يتتبعوها من أجل المتعة العقلية والترف الفكري، ولا من أجل التعليم وزيادة المعلومات، وإنما يتتبعونها من أجل أن يرعَوْا شؤون العالم، ومن أجل أن يفكروا بالطريقة التي يؤثرون فيها على العالم، أي من أجل أن يكونوا سياسيين، وحاشا للسياسي أن يقصد المتعة العقلية، ولو كان من أعظم العقلاء، وحاشاه من أن يميل للترف الفكري ولو كان من أعمق المفكرين، فهو إذن يتتبع السياسة ويفهم الموقف الدولي، والوضع الدولي، ويتابع السياسة الدولية، لأنه سياسي فقط، لا لأنه عاقل أو مفكر، ومعنى كونه سياسياً أنه يعمل لأن يرعى شؤون العالم، أي لأن يؤثر في السياسة الدولية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لا يعمل وهو يتصور أنه فرد وإنما يعمل بوصفه جزءاً من أمة، وبوصفه في كيان، أي في دولة، وهو وإن لم يكن ممن يقررون سياستها أو ينفذونها، ولكنه ممن يطمحون لأن يكونوا ممن يقررون أو ينفذون أو يحاسب المقررين والمنفذين. وبذلك يؤثر دولياً حتى لو ظل فرداً ليس له صلاحيات التقرير أو التنفيذ، ومتى كان ذلك كان مؤثراً، لأن الدولة التي هو في كيانها تؤثر بأمثاله، أو يسعى هو وأمثاله لأن يجعلها تؤثر في السياسة الدولية والموقف الدولي.
ومن هنا يأتي ما يقصد من ثمرات المفاهيم السياسية، وهو جعل الدولة تؤثّر في السياسة الدولية، وفي الموقف الدولي، عن طريق إيجاد الأفراد الواعين سياسياً، والمدركين للأعمال السياسية التي تحصل في العالم، لا سيما من الدول الكبرى، ومن هنا كانت الخطوة الأولى للتأثير في السياسة الدولية، والموقف الدولي، هي بلورة المفاهيم السياسية، وكانت اللبنة الأولى حمل الأفراد على تتبع الأعمال السياسية وتفهم السياسة الدولية، أي إيجاد سياسيين في السياسة العالمية، فيأتي طبيعياً تأثير الدولة في السياسة الدولية، والموقف الدولي، وبذلك يظهر مدى ضرورة المفاهيم السياسية، ومقدار قيمة هذه المفاهيم.
إلا أنه يجب أن يعلم أن الدولة لا تكون دولة لها الوجود الدولي، إلا بالعلاقات مع الدول الأخرى، فالفرد في المجتمع لا يكون له وجود في مجتمعه إلا بالعلاقات مع الأفراد الآخرين، ومكانته في المجتمع وبين الناس تكون بحسب هذه العلاقات، وبحسب تأثيره في العلاقات بين الناس، وكذلك الدولة فإن وجودها إنما يكون بوجود علاقات لها مع الدول، ومكانتها ترتفع وتنخفض بحسب علاقاتها مع الدول وبحسب تأثيرها في العلاقات الدولية...
لهذا فإننا ندعو كل مسلم في وسط هذا الكفر المتحكم في بلاد الإسلام، لأن يعمل لإقامة الخلافة طريقة لتحويل بلاده إلى دار الإسلام، وتوحيدها مع غيرها من بلاد المسلمين، وأن يحمل الدعوة إلى العالم ابتغاء إظهار الإسلام، وأن يردد بإيمان صادق، واستنارة ووعي، قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» وقوله الرسول عليه السلام : «فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يُظهره الله أو تنفردَ هذه السالفة».
عن كتاب أفكار سياسية لحزب التحرير
رأيك في الموضوع