الجواب: لكي يتضح الجواب نستعرض الأمور التالية:
1- إن اليهود لا تقوم لهم قائمة ذاتية إلا بحبل من الله وحبل من الناس كما قال سبحانه: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾، وحبل الله قد قطعوه بعد عهد أنبيائهم، فلم يبق إلا أن يتطفلوا على الدول الأخرى ويلتصقوا بها ليستمروا في عيشهم. إن هذا الأمر ملاحظ عليهم منذ تلك العهود، وفي العصر الحديث لجأوا إلى بريطانيا فسهَّلت لهم احتلال فلسطين وأقاموا دولتهم المغتصبة لفلسطين، واليوم يتطفلون على أمريكا ويلتصقون بها، ولذلك فيستبعد أن يصل الحال بهم مهما بلغ التنافر أن يعادوا أمريكا...
2- إن اليهود من خلال تبعيتهم للدول الأخرى يحاولون تحقيق مصالح لهم، فهم يخدمون الدول الكبرى ويلتصقون بها ليس لخدمة تلك الدول فحسب بل ليحققوا مصالحهم أيضاً، وهذه لا تختلف أحزاب اليهود فيها، فسواء أكان الحاكم حزب العمل أو الليكود فهم يتبعون أمريكا ويلتصقون بها لتحقيق مصالح يهود وليس فقط لخدمة أمريكا... وهم في هذه المسألة يختلفون عن الحكام في بلاد المسلمين، فحكام المسلمين عملاء للغرب يحققون مصالح الدول الأخرى ليس في مقابل مصالح بلادهم بل في مقابل أن يبقوا على الكرسي...
3- خلال رئاسة رابين الثانية للوزراء اعتباراً من1992 وكان ذلك في عهد رئاسة كلينتون الديمقراطي لأمريكا اعتباراً من 1993، كان رابين يرى أن مصلحة دولة يهود هي في الموافقة على ما كان يعرضه كلينتون من حلول ثم بعد ذلك اغتيل من أطراف أخرى من اليهود في 1995... بعد ذلك ظهر بوضوح أن حزب العمل يميل إلى الحزب الديمقراطي الأمريكي وأن حزب الليكود يميل إلى الحزب الجمهوري الأمريكي، وقد صبغ هذا الأمر العلاقة السياسية إلى حد ما بين المؤسسة الحاكمة في كل من أمريكا ودولة يهود...
4- إن الدول التي تسير على النظام الرأسمالي الديمقراطي تكون فترة الانتخابات فيها فترة كاشفة فاضحة، ولا خطوط حمراء فيها، فيستعمل كل حزب وسائله، أخلاقية وغير أخلاقية، ويتصارعون ويتلاومون، بل ينشرون فضائحهم على الحبال... وفي الوقت الحالي ففي كيان يهود هذه السنة انتخابات مبكرة في 17 آذار/مارس المقبل كما أعلن... وهناك انتخابات في أمريكا كذلك أواخر السنة القادمة "تشرين الثاني/نوفمبر 2016". ويحاول الطرفان استغلال الإمكانيات المناسبة للفوز فتبرز فيها علاقات حزب الليكود مع الجمهوري والعمل مع الديمقراطي، يسند كل منهما صاحبه وفق المتاح له...
5- إن الخط العام الذي يسير عليه نتنياهو في خدمة أمريكا وتحقيق مصالح يهود هو أقرب إلى سياسة الحزب الجمهوري، كما ذكرنا آنفاً، ويتنافر في الأساليب والوسائل مع سياسة أوباما والحزب الديمقراطي، وقد بدأ هذا التنافر أو الاختلاف منذ تولي أوباما الحكم. لقد جاء نتنياهو إلى السلطة في الوقت نفسه الذي جاء فيه أوباما، وقد ظهر التنافر بينهما مبكراً وبخاصة في موضوع فلسطين ثم الموضوع النووي الإيراني، وخلال ذلك كان يحاول عن طريق اللوبي اليهودي في أمريكا الضغط المتواصل على إدارة أوباما للحصول على أقصى ما يمكن في هذين الأمرين...
6- إن هذا التنافر يغذيه عاملان: الأول كما ذكرنا آنفاً، أي العلاقة بين الأحزاب، والثاني طباع أوباما ونتنياهو... أي الاختلاف في وجهات النظر من ناحية التعامل مع الوضع السياسي، فرؤية نتنياهو أكثر صلابة، وتقوم على الرأي القائل بضرورة القوة الصلبة "القوة العسكرية أولا" لصياغة الأحداث السياسية في المنطقة لصالح دولة يهود، والعمل بشكل أحادي هو ميزة سياسته، وهذه الرؤية منتشرة بين المحافظين الجدد الأمريكيين. ثم إنه يقدم نفسه على أنه مع المحافظين الجدد في إدارة بوش، وأعضاء من الحزب الجمهوري. فدانييل ليفي "الذي عمل مستشارا لرئيس الوزراء اليهودي السابق أيهود باراك" قال عن النظرة السياسية لنتنياهو: "أعتقد أن بيبي،أي نتنياهو، كان دائما قريبا من اليمين الأمريكي، فقد حصل على تعليمه السياسي منهم". ["أوباما ونتنياهو: اختلاف في وجهات النظر وليس فقط في الشخصيات"، CNN، 2 من آذار/مارس 2015[. إن نتنياهو يدرك ذلك،ويدرك أن الحزب الجمهوري يدعمه.
أما بالنسبة لأوباما، فهو واقعي تماما، ويعارض وجهة النظر السياسية للمحافظين الجدد، وهي المهيمنة على الحزب الجمهوري، فهو مع قاعدة المزج بين فكرة القوة الصلبة والقوة الناعمة "الدبلوماسية، والقروض... وإغراءات أخرى"، ويرى ضرورة اتباع هذه السياسة لصياغة الأحداث السياسية في صالح أمريكا. وعلاوة على ذلك، فإن الواقعيين يتجنبون استخدام أسلوب الأحادية في التصرف إن كانت الظروف تسمح... وذلكلتنفيذ الأعمال السياسية من خلال التحالفات والائتلافات التي تلتزم بتنفيذ الخطط الأمريكية.
7- ومع كل هذا وذاك من تنافر واختلاف... فإن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يتنافسان في التصريح بحماية أمن دولة يهود، فالحزب الجمهوري يدعم بقوة دولة يهود، إلى درجة الشد على أيدي دولة يهود في أي جريمة ترتكبها... فالحزب الجمهوري يؤيد ذلك بشكل كبير، وكان دعم دولة يهود في عهد بوش الابن لافتاً... ومع ذلك فلم يقلّ عنه دعم أوباما، حتى إن نتنياهو في خطابه في الكونغرس ذكر ذلك وشكر أوباما عليه فجاء في خطابه "نحن نقدر كل ما قام به الرئيس أوباما لإسرائيل وكذلك دعمنا بمزيد من صواريخ اعتراضية خلال عملياتنا في الصيف الماضي... وسأكون دائما ممتنا للرئيس أوباما لهذا الدعم. وإسرائيل ممتنة لك، والكونغرس الأمريكي، لدعمكم، وخاصة في المساعدة العسكرية السخية والدفاع الصاروخي، بما في ذلك القبة الحديدية..."، وتزداد هذه التصريحات كلما اقتربت الانتخابات بحجة الحاجة لأصوات اللوبي اليهودي الذي تضخمه الدعاية اليهودية أضعاف حجمه!
8- مما سبق يتبين أن هذا التنافر بين نتنياهو وأوباما ليس حالة عداء مع أمريكا أو قطيعة معها وإنما أفرزته العلاقات المختلفة بين الليكود والحزب الجمهوري وبين الليكود والحزب الديمقراطي...، وقد ظهر هذا التنافر بارزاً لأنه توافق مع الحالة الانتخابية في البلدين، فنتنياهو يدرك أن الرأي العام لكيان يهود يخشى حصول إيران على الأسلحة النووية لذلك فهو قد استغل لين أوباما المكشوف مع إيران في المسألة النووية، وجعل نتنياهو من نفسه المدافع عن كيان يهود أمام الخطر النووي، ثم إنه استغل سياسة المعارضة الجمهورية في أمريكا لنهج أوباما في التفاوض ليظهر في جانب الحزب الجمهوري فينتفع الحزبان انتخابياً، ويكون بذلك قد رد بالمثل على اجتماع بايدن وكيريالديمقراطيين مع هرتسوغ رئيس حزب العمل، والمنافس الرئيسي لنتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، وذلك على هامش مؤتمر ميونخ في 7/2/2015، ولم يكن هذان اللقاءان ضمن جدول الأعمال... وقال هرتسوغ في خطاب له في المؤتمر في ميونيخ يصف فيه خطاب نتنياهو المزمع في الكونغرس قائلاً "إن خطاب نتنياهو الذي ولد في الخطيئة، باعتباره إنتاج "انتخابي"، يهدد أمن مواطني إسرائيل والعلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة"... وفي الوقت نفسه أعلن مكتب بايدن "أن نائب الرئيس سيكون خارج البلاد ولن يحضر خطاب نتنياهو المثير للجدل حول إيران أمام الكونغرس في 3 مارس".
والخلاصة:
أ- من كل هذا يتبين بأن نتنياهو وأوباما متنافران للأسباب المذكورة، وكل منهما يؤيد خصم الآخر في الانتخابات القادمة... في هذا السياق جاءت زيارة نتنياهو إلى الكونغرس الأمريكي بالاتفاق المباشر مع الحزب الجمهوري ودون المرور بالبيت الأبيض أو على الأقل الاتفاق مع الديمقراطيين في الكونغرس، فكانت زيارته تعكس خلافاً حقيقياً بين الرجلين والحزبين، وقد زاد الخلاف سخونة جو الانتخابات في أمريكا وكيان يهود... وهكذا دُعي زعيم الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو للحديث في جلسة مشتركة للكونغرس في الولايات المتحدة يوم 3 آذار/مارس عام 2015. وكان هذا أمراً غير مألوف، لأن الدعوة لم تصدر من أوباما لنتنياهو بل من رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر “John Boehner”. وهذا ما دفع فعلاً بالتوترات بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما إلى العلن، حيث أعطتها وسائل الإعلام الكثير من التغطية.
وقد انتقدت إدارة أوباما تلك الدعوة، بينما أعلن الرئيس الأمريكي أنه لن يلتقي نتنياهو... وكذلك كيري حيث يغادر واشنطن إلى الخارج في فترة وجود نتنياهو بواشنطن... فصارت مشادة تصريحات بين طرف الإدارة وطرف الكونغرس ما يدل على أن الحزب الجمهوري يريد أن يتصرف انتخابياً بكسب أكبر عدد من أصوات اللوبي اليهودي في إطار التنافس بينه وبين الحزب الديمقراطي الحاكم ليضع في رصيده أصواتا أكثر في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في السنة القادمة.
ب- أما نتنياهو فإنه خطب في الكونغرس ضد مفاوضات أوباما مع إيران، ووصف الاتفاق الذي يريد أوباما عقده بالسيئ... وقال نتنياهو: "إن القوى الدولية تعهدت بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية ولكن يبدو أنهم تخلوا عن هذا الالتزام"، وأضاف: "أحترم البيت الأبيض ورئيس الولايات المتحدة لكن في قضية مصيرية كهذه يمكن أن تحدد وجودنا من عدمه، يجب أن أفعل كل شيء لمنع مثل هذا الخطر العظيم على إسرائيل". وقال "إن العرض المقدم لإيران سيمكنها من تهديد بقاء دولة إسرائيل". (سي إن إن 10/2/2015)، وكل هذا ليجعل من نفسه حامي مصالح يهود فيستفيد انتخابياً، وبخاصة وأن هناك من الاستطلاعات التي تشير إلى نجاح الحزب الجمهوري الأمريكي في الانتخابات القادمة قياساً على نجاح الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية آخر السنة الماضية، ومن ثم يزداد الليكود حظوة عند الجمهوريين... فضلاً عن قناعاته بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، فإن حكومة نتنياهو تتحفز منذ سنوات عدة لضرب إيران بذريعة البرنامج النووي في نهاية عام 2011، وكانت أوروبا تشجعها على ذلك لإحراج أمريكا، حيث زودت فرنسا كيان يهود بالصور من الأقمار الصناعية للمنشآت النووية الإيرانية، وألمانيا أرسلت لها أحدث الغواصات التي تحمل الصواريخ، وبريطانيا زودتها بالمعلومات العسكرية والاستخباراتية حيث قام رئيس الأركان البريطاني يومئذ بزيارة الكيان اليهود ومكث فيها ثلاثة أيام مباشرة للإعداد للضربة، وإيطاليا سمحت للطيران اليهودي أن يتدرب في سمائها على الطيران لمسافات بعيدة والتزود في الجو بالوقود. وكانت أمريكا تعمل على "لجم" دولة يهود وتضغط عليها بعدم التصعيد، وأن العقوبات كافية، وأن سياسة أوباما هي المجدية... وكانت دولة يهود تخضع للضغط إلى أن كانت زيارة نتنياهو هذه بالتنسيق مع الحزب الجمهوري في جو انتخابي...
ج- أما المتوقع من نتائج الانتخابات، فهي في كيان يهود ستكون متقاربة حيث إن المعارضة وعلى رأسها حزب العمل يبرزون أن هذا التنافر بين نتنياهو وأوباما يضر بمصالح أمريكا، وأن عدم دعم أمريكا لهم سيؤدي إلى ضرر بالغ على دولتهم، ويحاولون كذلك إبراز تصريحات أوباما في حفظ أمن اليهود، وأن سياسته النووية تسير قدماً في منع الخطر النووي الإيراني بسياسة استراتيجية محكمة، ويتوقعون من ذلك أن يكسبوا دعماً من اللوبي اليهودي في أمريكا، وفي الوقت نفسه يوجدون تهدئة في دولة يهود فيكسبون أصواتاً كثيرة كذلك... وفي المقابل فإن تقارب نتنياهو مع الحزب الجمهوري الذي يتوقعون نجاحه في الانتخابات الأمريكية القادمة، وإظهار نتنياهو من نفسه حامياً لمصلحة يهود ودفع الخطر النووي عنها، كل ذلك يكسبه دعماً من اللوبي اليهودي وأصواتاً في داخل كيان يهود... وهكذا فإن المتوقع من كل ذلك أن الطرفين، حزب العمل والليكود، متقاربان في الحجج، وأن دعم أوباما لحزب العمل ودعم الحزب الجمهوري لليكود متقاربان إلى حد ما إلا إذا أتقن أوباما دوره كرئيس واستغله في علاقات قوية مع حزب العمل وعندها قد يؤثر في نجاح نتنياهو... لكن تصرف أوباما بهذه القوة مع نتنياهو أمر مرجوح، وبخاصة وأن أوباما لا يجوز له الترشح للدورة الرئاسية القادمة. وهذا يعني أن المتوقع هو تقارب الفرص بين نتنياهو وخصمه هرتسوغ من حزب العمل، ومن الصعب أن ينجح أحدهما لتشكيل حكومة إلا أن تكون ائتلافية ضعيفة لأنه يصعب أن يأتلف الحزبان الكبيران، بل سيضطر كل حزب منهما أن يشترك مع أقليات صغيرة ستفرض عليه شروطاً أكبر من حجمها ومن ثم تصبح أي حكومة مشكلة قادمة في كيان يهود ضعيفة إلا إذا تمكن الحزبان أن يتقاربا...
أما عن الانتخابات في أمريكا، فإن ما يُنشر من استطلاعات يجعل احتمال فوز الحزب الجمهوري كبيراً وذلك بناء على الانتخابات النصفية السابقة حيث يسيطر الحزب الجمهوري على غالبية الكونغرس، وبخاصة وأن أوباما لم يكن ناجحاً أمام الأزمات الدولية بشكل مُرضٍ في الوضع الداخلي الأمريكي وفي الوضع الخارجي.
د- أما عن حالة عداء أو قطيعة مع أمريكا، فهذا مستبعد كما ذكرنا آنفاً، بل سيستمر كيان يهود ملتصقاً بأمريكا ومتطفلاً عليها، فلا عيش لهم دون حبل من الناس وهو في هذه الأيام أمريكا... ولكن هذا الحبل سيقطع بإذن الله، وذلك عندما تشعر الدول أن امتداد الحبل بينها وبين دولة يهود المغتصبة لفلسطين وبالاً عليها وذلك بقوة الإسلام وأهله ودولته، وإنه لكائن بإذن الله ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾.
17 جمادى الأولى 1436 هـ
8/3/2015م
رأيك في الموضوع