لقد ثبت يقينا بناءً على الأدلة والبراهين والشواهد أن النصر بيد الله وحده سبحانه وتعالى، وأنه منةٌ وهِبةٌ ينزلها الله سبحانه على من يشاء من عباده، وقد اتضح بالأدلة والبراهين والأمثلة أن النصر قريب بإذن الله، وما هو إلا صبر ساعة، يأتي كلمح البصر، وأن الابتلاء سنة من سنن الكون، لا تتغير ولا تتبدل إلا بإذنه تعالى، وأن البشريات على قرب نصر الله لاحت بشائرها في الأفق، لا تنكرها إلا نفوس مريضة، ولا تغض النظر عنها إلا عيون عليها غشاوة وقد أصابها الرمد.
ووضح يقينا أن ما يصيب حملة الدعوة في كل مكان من تضييق ومطاردة وسجون وتعتيم وسخرية هو ابتلاء وامتحان، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾. والابتلاء من الله هو للتمحيص، فمن بقي قوياً ثابتاً رفع الله درجته وأعلى قدره وجعله يوم القيامة في عليين.
وأن النصر لا يتحقق إلا في ظل دولة تطبق الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي أوجب الإسلام إقامتها، فهي النظام السياسي الوحيد الذي ارتضاه الله للمسلمين.
والأصل في حامل الدعوة أنه يعمل لتحقيق النصر في الشدائد؛ وأن يكون حارساً أميناً للإسلام، عاملاً لإقامة الخلافة الراشدة، لا يجامل في دعوته، ولا تضعف عزيمته.
واتضح أن الأنظمة المتحكمة في العالم اليوم لن تتوقف عن حرب الإسلام وتمزيق بلاده، والتضييق على أهله.
لذا فليغتنم حملة الدعوة هذا الابتلاء وهو في دائرة القضاء، وليُرُوا اللهَ سبحانه وتعالى من أنفسهم خيراً وليبقوا على العهد ثابتين، فلا يظهروا ليناً، ولا ضعفاً، ولا تراجعاً، بل الأصل أن يُظهروا قوةً وحزماً، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.
على حامل الدعوة أن يوقن يقيناً جازماً أن رزقه على ربه ولن تستطيع أية قوة على الأرض أن تمنع رزقاً قرره الله له، وأن أجله بيد الله لن تستطيع أي قوة في الأرض أن تأخذ روحه دون حكم الله وقضائه وأجله سبحانه وتعالى!
على حامل الدعوة أن يظل مشتغلا بتكاليف دعوته، وإحاطة دعوته بالأعمال المؤثرة لصناعة الرأي العام الواعي، على وجوب الحكم بالإسلام، وعلى وجوب وحدة المسلمين في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، من خلال رجل منهم توفرت فيه شروط الخليفة، وبايعه المسلمون عن رضا واختيار ليكون إماماً لهم.
الأصل أن يكون حامل الدعوة، نشيطاً قوياً واثقاً بربه، يستشرف المستقبل بالتفاؤل ليصنعه بمبدئه ويؤثر فيه بعقيدته وأحكام ربه، فكل يوم يمر إلا وهو يقدم حديثاً في المسجد، أو نقاشاً جماهيرياً هنا أو هناك، أو محاضرة في مسجد، أو الكتابة في الصحف، أو في شبكات التواصل الإلكتروني.. إلخ، يدعو الناس لإقامة الخلافة، أو مشاركاً في فعالية عامة، أو مناسبة أو عزاء أو يتصل بالمؤثرين في بلده ليعرض لهم دعوته ويجادلهم بالتي هي أحسن ليتبنوا قضية الإسلام، ويرفعوا أيديهم عن تأييد أنظمة الباطل كلها، كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام.
خاتمة الختام على حملة الدعوة الإيمان بأن النصر قضاء مثل الرزق والأجل، ويكفيهم حديث الرسول ﷺ الذي قاله لابن عباس رضي الله عنه: «يَا غُلامُ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ: أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ، وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ». رواه الترمذي، وَقالَ: حديث حسن صحيح. وأخرج نحوه الإمام أحمد في مسنده، والطبراني في الكبير والأوسط، وفي رواية الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يَسِّراً».
إنها مرحلة تمر فيها أمة الإسلام بالابتلاءات وتظهر فيها البشريات، مرحلة الصبر والثبات. إنها المرحلة التي تحتاج فيها الأمة إلى الاستعداد إلى ما بعد هذا الواقع وما بعد النصر كيف سنكون؟ وكيف ننشر العدل؟ وكيف نبسط الأمن بين الناس؟ وكيف نقود الناس من خير إلى خير؟
لذا فليحسن حملة الدعوة الظنَّ بالله تعالى الواحد الأحد، صابرين على الابتلاءات، ومصدقين بالبشريات، واثقين بربهم الذي وعدهم بالنصر والفتح والتمكين، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾. إن الله منجز وعده، ومعز دينه، وقاهر عدوه، وناصر عباده، ولو بعد حين.
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع