لا يزال السيسي مصرا على المضي قدما في حربه التي يشنها على الإسلام من خلال حملته على مفاهيم الإسلام وأحكامه تحت دعوى تجديد الخطاب الديني، فقد جدد تلك الدعوة من خلال مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الدين، فقد قال السيسي خلال كلمة له أمام المؤتمر الذي عقد يوم 27/1/2020 ألقاها نيابة عنه رئيس وزرائه: "لقد طالبت المؤسسات الدينية منذ عدة سنوات وفي مقدمتها مؤسسة الأزهر الشريف بأن تولي الأهمية القصوى لموضوع تجديد الخطاب الديني، من منطلق أن أي تقاعس أو تراخٍ عن الاهتمام بهذا الأمر من شأنه ترك الساحة لأدعياء العلم وأشباه العلماء من غير المتخصصين ليخطفوا عقول الشباب ويزينوا لهم استباحة القتل والنهب والاعتداء على الأموال والأعراض ويدلسوا عليهم أحكام الشريعة السمحة وينقلوا لهم الفهم الخاطئ المنحرف في تفسير القرآن، والتشويه المتعمد للسنة المطهرة".
فالسيسي يدعو لثورة تجديد دينية للتخلص من (أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون وباتت مصدر قلق للعالم كله)، ومما لا شك فيه أن السيسي لم يأت بجديد؛ فما تحدث به في ذلك المؤتمر وما يسعى له من خلال هكذا مؤتمرات هو استمرار لما قاله من قبل "ليس معقولا أن يكون الفكر الذي نقدسه على مئات السنين يدفع الأمة بكاملها للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها". و"إنه لا يمكن أن يَقتل 1.6 مليار مسلم الدنيا كلَّها التي يعيش فيها سبعة مليارات حتى يتمكنوا هم من العيش"، وهو ما ظل الغرب يردده لعشرات السنين ويحلم به ويجيش له الجيوش من أبواقه الذين سماهم بالمفكرين في بلادنا ومن السياسيين العملاء الذين نصبهم على رقابنا بعد أن هدم دولة الخلافة العثمانية، ليجعلوا من أمة الإسلام قطيعا من النعاج يساق إلى حتفه فرحا مسرورا، وليقوموا بتطويع الإسلام ليتفق مع فكرة فصل الدين عن الدولة والسياسة والحكم بل وعن الحياة كلها، ليحشروه في زوايا المسجد كما فعلوا بالنصرانية من قبل، وشتان ما بين النصرانية والإسلام، فالإسلام هو دين شامل كامل وهو عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام ينظم كل شئون الحياة.
إنهم يريدون لنا دينا على المقاس الغربي مفرغا من أي مضمون، فلا خلافة ولا نظام حكم ولا جهاد ولا وحدة للأمة، ولا محاسبة على أساس الإسلام، ولا أحزاباً سياسية تقوم على مبدأ الإسلام العظيم، هذا ما يريده الغرب وما يدعو له السيسي وأضرابه من الحكام الرويبضات، وهو أمر غير مستغرب من هؤلاء فهم لا يهمهم دين ولا كرامة ولا رفعة، كل ما يهمهم هو بقاؤهم على كراسيهم المعوجة، لكن المستغرب أن يستجيب الأزهر لمثل تلك الدعوات الهدامة ويروج لها.
والذي يؤكد أن هذا المنحى يرفضه أغلب رجالات الأزهر هو كم الإعجاب الذي لاقته كلمات شيخ الأزهر الذي لقن بها رئيس جامعة القاهرة الخشت درسا لن ينساه، فالجميع قد تفاعل مع كلمته تلك بشكل إيجابي فقد كان فيها نقد واضح لفكرة التجديد الحداثي المتحلل من كل قيد والذي يؤدي إلى دين غير الدين الذي أنزل على محمد e. وبرغم أن الكثير من الناس قد استبشروا خيرا بما قاله شيخ الأزهر، إلا أنههو نفسه لم يلتزم بما قاله عن عظمة تراث المسلمين وما أدى إليه هذا التراث من تشكيل أمة عظيمة استطاعت في أقل من ثمانين عاما أن تضع رِجلا في الصين شرقا ورجلا أخرى في الأندلس غربا، فقد تلا الشيخ البيان الختامي للمؤتمر الذي نسف كل ما قاله قبل يوم واحد، فإذا به يؤكد أنه لا يوجد في نصوص الكتاب والسنة ما يلزم بنظام حكم معين، بل كل نظام من أنظمة الحكم المعاصرة تقبله الشريعة ما دام يوفّر العدلَ والمساواة والحرية، وحماية الوطن، وحقوق المواطنين على اختلاف عقائدهم ومِلَلِهم، ولم يتصادم مع ثابت من ثوابت الدين، وأن الخلافة نظام حكم ارتضاه صحابة رسول الله e ناسب زمانهم، وصلح عليه أمر الدِّين والدُّنيا، ولكنه غير مناسب لعصرنا، فالدولة (في الإسلام هي الدولة الوطنية الديمقراطية) كما قال البيان!
وأنا هنا لن أطالب شيخ الأزهر أن يراجع نصوص القرآن والسنة التي تؤكد أن شكل الحكم في الإسلام هو الخلافة، فأنا على ثقة تامة أنه يعرفها جيدا، ولا أن يعود لما حدث في السقيفة وما بعدها ليتبين أن هناك إجماعا من الصحابة على لزوم بيعة خليفة للمسلمين يقودهم بكتاب الله فهو أيضا يعرف ذلك، ولن أطالبه بالعودةإلى ما قاله علماء الأزهر عنها في الاجتماع الذي عقده الأزهر الشريف لهيئة كبار العلماء فيه عام 1925م بخصوص هدم الخلافة في أنها (فرض وأنها منصب ضروري للمسلمين كرمز لوحدتهم واجتماعهم. ولكن لكي يكون هذا المنصب فعالاً، لا بد أن يجمع الخليفة بين السلطة الدينية والسلطة المدنية. وأنها رياسة عامة في الدين قوامها النظر في مصالح الملة وتدبير الأمة. والإمام نائب عن صاحب الشريعةeفي الدين وتنفيذ أحكامه، وفي تدبير شئون الخلق الدنيوية على مقتضى النظر الشرعي)، فهو ولا شك يعرف هذا الأمر جيدا، بل سأذكره بالله فهو القاهر فوق عباده وهو الرافع الخافض الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض. فإذا كان السيسي قد باع نفسه للغرب ورضي أن يكون الأداة التي يستعملها الغرب في الحرب على الإسلام والمسلمين، فإننا نربأ بالأزهر وشيخه وعلمائه أن يكونوا سهاما في كنانة هذا الرجل، فباب التوبة مفتوح لم يغلق، وعلى الأزهر أن يقوم بدوره في الذود عن دين الله والسعي مع المخلصين من أبناء الأمة لوضعه موضع التطبيق في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تعيد للأمة عزتها ورفعتها وتعيد للأزهر دوره الحقيقي وتقطع أيدي أعداء الأمة وتمنعهم من نهب خيرات وثروات الأمة.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
بقلم: الأستاذ حامد عبد العزيز
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع