إنما تنشأ الدول على أفكار تقوم عليها وتحدد وجهة النظر إلى الحياة، حيث تصبح تلك الأفكار مفاهيم تؤثر في السلوك فتجعل السلوك يسير بحسبها؛ وتتغير وتتحول وتتبدل الدولة والسلطان فيها بتحول هذه الأفكار وتغير النظرة إلى الحياة.
ولقد قامت دولة الإسلام الأولى التي أقامها رسول الله e على أفكار الإسلام ومبدئه وكانت وجهة نظرها أن الحياة والكون والإنسان جميعها مخلوقات للخالق سبحانه، وأنه ينبغي تسييرها جميعاً وفق النظام الذي جاء من عند خالقها سبحانه ونزل به الوحي وحواه الكتاب والسنة، والقداسة في ذلك لله ولرسوله ولدين الله الإسلام والذي يُفتدى بالنفس والنفيس، وتهون في سبيل الدفاع عن دين الله وحرماته ونظامه الدنيا والناس أجمعين.
وفي نظام الإسلام فإن للنفس حرمة وأي حرمة، تُسيّر الجيوش حفاظاً على عصمة الدم المعصوم ولصون العرض المصون، أن يسفك الدم أو أن ينتهك العرض... فعلِم الغرب الكافر المستعمر الحاقد أنه لا إيقاف للمد الإسلامي المستنير، ولا تركيع لأمة الإسلام الأبية التي لا تنام على ضيم، إلا بإسقاط دولة الإسلام، واغتصاب السلطان من أمة الخير، وشرذمتها ووضع كل مزقة منها تحت نير حكم وسلطان أحد عملائه الذين رباهم على عينه من بنين الدنيا المستميتين عليها... يقوم كل واحد من أولئك العملاء على سدانة معبد التبعية للغرب؛ كل واحد منهم على دويلة يقيم بنيانها على فكرة الغرب الرأسمالي وعقيدته التي هي فصل الدين عن الحياة وعن الدولة، وليصبح السعي فيها كله وراء النفعية والدولار والجنيه وتسترخص في سبيل تحصيله الأنفس والأعراض وكرامة الأحرار من الناس!
ولقد ابتليت الكنانة بعد انقلاب الردة الدموي بمن هو من نقع عقيدته النفعية العلمانية، يود لو أن يدفع الناس من حر أموالهم ثمن الهواء الذي يتنفسونه، فوضع القوانين واللوائح التي تكرس تلك المفاهيم، وتقوم بالتطبيل لها طغمة من الفاسدين وإعلامُ مكرِ الليل والنهار، يرسخون تلك النفعية المقيتة والتي هي وجهة نظر الغرب الكافر المستعمر في الحياة؛ لا يعبأون لحلال ولا يبالون لانتهاك كل محرم في سبيل منفعتهم؛ وعلى مرأى ومسمع من أهل الكنانة، الذين أشغلوهم بتحصيل الأرزاق، في ظل السعار الرأسمالي للدولة، والذي لا يتراجع عن بعض جشعه إلا حين تتعالى همهمات المظلومين، الذين بالكاد يقتنصون بعض ما قدر الله لهم من أرزاقهم والتي لم تطلها بعد، يد السراق الخونة للدين وللأمة.
فيا أهل الكنانة:
إن الحق واضح أبلج فأعيدوها بيضاء نقية صافية ترفع راية الدين وتصون الدماء والأعراض، تطبق نظام الإسلام في سائر جوانب الحياة؛ فلا تبعية لغرب ولا لشرق بل القيادة للكتاب والسنة؛ فاستردوا سلطان الأمة وأعطوه رجلاً تقيا يحكمكم والأمة بالإسلام وينسي الغرب وحضارة الأعور الدجال وساوس إبليس، ويقتص للنفس المعصومة، ويصون العرض، ويضع مال الله في مصارفه الشرعية؛ يفعل كل ذلك على منهاج النبوة، والأمة قائمة عليه تراقبه فتأمره وتنهاه إن اعوجّ.
يا أهل الكنانة:
إنه لا أمن ولا أمان ولا اطمئنان إلا في ظل نظام الإسلام، يطبق بين الناس جميعاً وعلى سواء، ويجعل حمل دعوة الإسلام هي مركز تنبه المسلمين، وتتكافأ فيه دماء المسلمين، ويسعى بذمتهم أدناهم؛ فأعيدوا الأمر إلى نصابه وأروا الله منكم خيراً؛ فإن فصل الدين عن الحياة وعن الدولة واستباحة الدماء وهتك الأعراض والفساد في الأرض منكر لا يرضي الله ولا يرضيكم... إنكم إن فعلتموها طاعة لله ورسوله فإنه عز الدنيا وفوز الآخرة، وصون الدماء والأعراض والأموال، وعودة فئران الغرب إلى جحورها.
ويا جيش الكنانة:
أليس فيكم رجل رشيد يعلم أن قوتكم ومنعتكم إنما هي أمانة في أعناقكم أن تقيموا دين الله في الأرض وتصونوا الحرمات من عبث العابثين؟!
ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ويفسدون في الأرض.
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
بقلم: الأستاذ طاهر عبد الرحمن
رأيك في الموضوع