عند بداية الحديث عن هذه الوثيقة يجب التذكير بأن الذين أعلنوا عنها ويطلق عليهم "الهيئة العليا للمفاوضات" الممثلة للمعارضة السورية هي صناعة أمريكية جرى تجميع قطعها في الرياض يوم 10/12/2015 تحت إشراف النظام السعودي الموالي لأمريكا لمفاوضة نظام طاغية الشام، وأن محتوياتها صياغة أمريكية أيضا مستنسخة عن مقرراتها للحل السياسي الذي يستهدف القضاء على الثورة وأهدافها وعلى الثوار والحفاظ على النفوذ الأمريكي.
وعندما تم تجميع قطع هذه الهيئة أعلن أنه "سيتم تشكيل فريق للتفاوض مع ممثلي النظام وذلك استنادا إلى بيان جنيف الصادر بتاريخ 30/6/2012 والقرارات الدولية ذات العلاقة كمرجعية للتفاوض، وبرعاية وضمان الأمم المتحدة، وذلك خلال فترة زمنية محددة يتم الاتفاق عليها مع الأمم المتحدة". ومن هنا يدرك ما هذه الهيئة الخائنة لأهل الشام التي لا يرجى منها خير، بل إن كل ما تنطق به هو شر من شرور أمريكا وسمومها القاتلة.
ولننظر ما نطقت به هذه "الهيئة العليا لخيانة الثورة" من وثيقة نهائية لرؤيتها للحل في سوريا، والتي قدمتها يوم الأربعاء الماضي في اجتماع وزراء خارجية "مجموعة أصدقاء سوريا" الذي عُقد في لندن، فنرى أنها تنطق بما نطقت به أمريكا.
فأعلنت في وثيقتها أن الانتقال السياسي في سوريا يمر بثلاث مراحل رئيسية:
- المرحلة الأولى (التفاوضية): عملية تفاوضية تمتد لستة أشهر يتم خلالها إقرار هدنة مؤقتة وإلزام الأطراف بقرارات مجلس الأمن.
- المرحلة الثانية (الانتقالية): تشمل فترة انتقالية لمدة سنة ونصف يتم خلالها صياغة دستور جديد، وتشكيل مجلس عسكري مشترك وهيئة حكم انتقالي وحكومة لتصريف الأعمال.
- المرحلة الثالثة (النهائية): تتضمن تطبيق مخرجات الحوار الوطني، وإجراء انتخابات محلية وتشريعية ورئاسية تحت إشراف أممي.
وقد تحدثت الوثيقة عن دمج بين الجيش السوري والجيش الحر وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية القمعية وعن استعانة بالقوى الدولية لمحاربة "الإرهاب"، وتأسيس حكومة بين النظام المجرم والمعارضة الخائنة.
وأما عن مصير الطاغية فطالبت برحيل بشار أسد وزمرته عن الحكم مع بدء المرحلة الثانية وإعلان الهدنة ولم تتطرق إلى موضوع محاكمته ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب، مما يعني أنها تعفيهم من العقاب.
ومن عنوانها يدرك المرء أنها صياغة أمريكية حيث حملت الوثيقة عنوان "الإطار التنفيذي للحل السياسي وفق بيان جنيف 2012". وتمت صياغتها في الرياض يومي 2 و3/9/2016 تحت إشراف ممثلين عن مجموعة "أصدقاء الشعب السوري" التي ترأسها أمريكا، وقدمتها يوم 7/9/2016 "للنواة الصلبة في أصدقاء سوريا" التي ترأسها أمريكا أيضا. ولهذا السبب صدق القائلون: إنها لمجموعة "أعداء الشعب السوري" ترأسها أمريكا عدوه الأول. فكل ما نطقت به الوثيقة هو اجترار لمقرارات العدو السابقة وزيادة بعض التفصيلات، علما أن هذه الأمور كلها رفضت من قبل فتأتي هذه الهيئة الخيانية لتجدد عرض المرفوض بناء على أوامر أمريكا،وعلى الفور أعلن خادمها النظام السعودي على لسان وزير خارجيته الجبير يوم 7/9/2016 أن "خطة المعارضة تشكل خطوة إلى الأمام وتقدم رؤية لسوريا أي ما يجب أن تكون عليه سوريا عبر إشراك الجميع".
وأعلن رياض حجاب الموظف السابق لدى نظام الطاغية والمنسق الحالي لهيئة المفاوضات أن "الخطة التي قدمتها المعارضة السورية تهدف للانتقال من مرحلة الديكتاتورية إلى دولة مدنية ديمقراطية تسودها التعددية وسيادة القانون". أي إعادة إفراز النظام العلماني بحلة جديدة، وهي الخطة الأمريكية نفسها، والتي أقرت في مؤتمر فينّا بالحفاظ على الهوية العلمانية للدولة السورية ومؤسساتها. فما يسمى بالمعارضة لا تأتي بخطة جديدة، وإنما تعيد نسخ الخطة الأمريكية ومن ثم تقدمها لتكسبها شرعية كأنها من إنتاج المعارضة! وهي تعادي الله ورسوله بإقرار نظام كفر لا يختلف عن النظام القائم في سوريا، ويعني ذلك ضرب مشروع الثورة السورية الذي يتضمن إسقاط النظام العلماني وإقامة حكم الإسلام المتجسد بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وأمثال حجاب الذين خدموا لدى النظام ومن لف لفيفه وكان على شاكلته ودخل الائتلاف الذي أسسته أمريكا وهيئة المفاوضات كلهم مردوا على العمالة والنفاق، وتجرعوا كأس الذل فشيمتهم التنازل، وقد فسدت عقولهم بالعلمانية الفاسدة المفسدة فلا يستطيعون الانفكاك عنها أو النطق بغيرها، فهؤلاء كلهم لا يهمهم أن يعملوا مرة ثانية مع النظام وتحت إمرة إبليس أو قبيله.
فمن ضمن الخطة إبقاء بشار أسد 6 أشهر بعد بدء المفاوضات! يا لها من خيانة للثورة يعلنها من ينطق باسم المعارضة أنه يقبل بالطاغية لمدة مهما قصرت! وعند القبول ببقاء الطاغية لهذه المدة، ربما يطلب من المعارضة التنازل لتمديد مدة بقائه بدعوى ضرورة إنجاح المفاوضات! وهكذا ربما تطول مدة بقائه حتى تتمكن أمريكا من صياغة الوضع من جديد، لا مكنها الله ولا أبقاها في بلادنا. فحجاب يستطيع أن يهضم بقاء بشار أسد لأنه عمل تحت إمرته! وأما شعب سوريا الأبي فيأبى بقاء المجرم ولو لساعة وقد أذاقهم الأمرين وسفك دماءهم وانتهك أعراضهم ودمر ديارهم واستخدم أدوات له من أبناء المسلمين المنحرفين فكريا ونفسيا كحجاب وأضرابه، ومنهم من ما زال في السلطة يقدم له الخدمات كالمعلم وشعبان.
وذكر حجاب ذلك في لندن يوم 7/9/2016 مع عقد اجتماع لوزراء خارجية وممثلين عن الدول التي تدّعي أنها تشكل مجموعة أصدقاء سوريا وهي تتآمر على الشعب السوري للنظر من جديد في تنفيذ ما يسمى بالحل السياسي الذي يقر النظام العلماني في سوريا والحفاظ على مؤسساته الأمنية الإجرامية وإعفاء بشار أسد وزمرته المجرمة من العقاب، كما أعفوا أباه المجرم حافظ أسد وزمرته من قبل، بل حافظوا عليهم وعلى ما سرقوه من أموال الشعب.
وقد ورد في البيان المتعلق بإعلان الوثيقة: "أن المجتمعين أقروا الوثيقة التنفيذية للرؤية السياسية وأن الحل السياسي هو الخيار الاستراتيجي الأول الذي تعتمده بما يحقق تطلعات الشعب الطامح لنيل حريته وصون كرامته وفق بيان جنيف والقرارين 2118 و 2254، وتقضي الوثيقة بإنشاء هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات لا وجود ولا دور للأسد فيها ولمن اقترف الجرائم بحق الشعب السوري بدءاً من المرحلة الانتقالية". لا والله، كل ذلك كذب صراح، وخداع للبلهاء لا للشعب السوري الواعي، فهو يخالف تطلعات الشعب الرافض لبيان جنيف وهذين القرارين المذكورين، فهو يتطلع لإقامة دولة عظمى كما كانت منذ عهد أجدادهم الصحابة إلى أن جاء المستعمر الغربي العلماني.
فمشروع قرار 2254 الذي أقره مجلس الأمن يوم 18/12/2015 هو مشروع أمريكي تقدمت به أمريكا العدو الأول للشعب السوري والداعم الأول لبشار أسد وزمرته المجرمة واعتمد "بيان جنيف ودعم بيانات فينّا باعتبارها الأرضية الأساسية لتحقيق انتقال سياسي بهدف إنهاء النزاع في سوريا ومسار صياغة دستور جديد في غضون 6 أشهر وإجراء انتخابات على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهرا واتخاذ التدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرض القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار".
وقرار 2118 الذي أقره مجلس الأمن يوم 27/9/2013 هو مشروع أمريكي أيضا، أعفى المجرمين بشار أسد وزمرته من العقاب على استخدامهم الأسلحة الكيماوية مقابل تسليمها، وأكد القرار على أن الحل الوحيد للأزمة السورية سيكون من خلال عملية سياسية شاملة على أساس بيان جنيف.
وهكذا نرى أن ما أعلنته "الهيئة العليا للمفاوضات" وما هي إلا الهيئة العليا للخيانات حيث تخون الثورة وأهل سوريا ودماء الشهداء وتقر النظام العلماني الكافر وحماته المستعمرين، وتفلت الطاغية وزمرته المجرمة من العقاب، بل تبقيها على حالها تحت مسمى دمج الجيش السوري مع الجيش الحر وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، فما أعلنته هذه الهيئة هو مقررات أمريكية خيانية.
فكل التضحيات لتغيير النظام العلماني الإجرامي بقيادة آل الأسد والبعثيين وتطهير البلاد من رجس هؤلاء الأنجاس عملاء الاستعمار ستذهب سدى حسب وثيقة الهيئة العليا للخيانة، وستبقي البلاد تحت نفوذ أمريكا، حيث إن هذه الهيئة تأتمر بأمرها، ولا تتحرك ولا تنطق بشيء إلا بما تريده، فرائحة العمالة الكريهة تفوح من أفواه القائمين عليها.
هذا مكر أمريكا ومواليها وأتباعها، وهو باطل وزائل كما قال الله القاهر فوق عباده ﴿ومَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾، ولسوف يبطله الأبطال من أهل الشام بإذن الله، وقد بدأ يتأكد لهم مكر أمريكا بهم، وأنها هي التي تدير المعركة ضدهم وضد ثورتهم، بل ضد الإسلام وأهله، وهي التي تقف وراء النظام وتحميه وتقتل الذين يقاتلونه تحت مسمى محاربة (الإرهاب) وتنظيم الدولة والمتطرفين، وتستخدم الهيئة العليا للمفاوضات مطية لإقرار مشاريعها الخبيثة، كما تستخدم روسيا وإيران وحزبها وأشياعها وتركيا والسعودية ومجموعة "أصدقاء الشعب السوري" أدوات لتنفيذها، فهؤلاء كلهم أعوان وأدوات للماكر الأمريكي عدو الثورة السورية الأول. فاقتربت المجابهة بين الثوار وبين أمريكا واقتربت الجولة الأخيرة لهزيمتها، فاثبتوا يا ثوار الشام، فالنصر صبر ساعة؛ ﴿فَلاَ تَهِنُوا وتَدْعُوا إلى السَّلْمِ وأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ واللهُ مَعَكُمْ ولَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.
رأيك في الموضوع