وصل إلى العاصمة السودانية الخرطوم، يوم الأربعاء 29/6/2016م مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للسودان وجنوب السودان دونالد بوث، في زيارة رسمية التقى خلالها عددًا من كبار المسؤولين في الحكومة السودانية، لإجراء المزيد من المشاورات حول جهود ما يسمى بالوساطة الأفريقية لدفع وإقناع الحركات المسلحة بالتوقيع على خارطة الطريق، وقد عقد المبعوث الأمريكي اجتماعات مع المعارضة السودانية في أديس أبابا، قبل زيارته للخرطوم يوم السبت 18/06/2016م، وقد اقترحت المعارضة بشقيها السياسي والمسلح، المنضوية تحت ما يسمى بقوى "نداء السودان" بعد لقائها بالمبعوث الأمريكي بالعاصمة الإثيوبية يوم الأحد 19/6/2016م، ملحقاً لخارطة الطريق سلمته للوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي، حول تحفظاتها على الخارطة كشرط لتوقيعها على الوثيقة ما يمهد لانضمام المعارضة للخارطة بعد أن ظلت ترفضها منذ آذار/مارس الماضي؛ الأمر الذي يمهد لدخولها في التفاوض المباشر مع الحكومة والانضمام لما يسمى بالحوار الوطني.
والمتابع للشأن السوداني يرى أنَّ الإدارة الأمريكية رمت بثقلها في مسعى للتأثير على أطراف المعادلة السودانية المختلفة لقبول تسوية للأزمة. ولم تكتف إدارة الرئيس الأمريكي بإيفاد دونالد بوث؛ مبعوثها إلى السودان وجنوب السودان للاجتماع بقوى المعارضة السودانية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بل أرسلته إلى الخرطوم لمقابلة مسؤولي الحكومة للغرض ذاته.
وخارطة الطريق هي الوثيقة التي وقعتها الحكومة السودانية بشكل منفرد مع رئيس الوساطة الأفريقية للسلام في السودان ثامبو أمبيكي ظهر الاثنين 21/3/2016م، والتي تنص على استئناف المباحثات عاجلاً للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، واتفاقية للعون الإنساني العاجل، وأن اتفاقيات إنهاء النزاع يجب أن تتضمن القضايا السياسية المتصلة. كما تضمنت الوثيقة أن يترك النقاش حول القضايا القومية لمؤتمر الحوار الوطني بالداخل برعاية البشير، وأن تعقد آلية ما يسمى بـ(7+7) لقاءً مع الحركات المسلحة في أديس أبابا بأسرع ما تيسر. وبالرغم من رفض قوى المعارضة التوقيع عليها، ومع ذلك يتوقع بوث انفراجا وشيكا واتفاقا تسعى بلاده لحمل كافة الأطراف إليه ولو بعد حين.
ويبدي المبعوث الأمريكي تفاؤله باكتمال عملية السلام، متوقعا قبول قوى المعارضة بخارطة الطريق في أقرب وقت بعدما تعهد ببذل الضغوط والجهود اللازمة لإقناعها بالتوقيع على هذه الخارطة، وكشف بوث، بُعيد لقائه إبراهيم محمود مساعد الرئيس السوداني ظهر الأربعاء 29/6/2016م، أنه لمس آراءً إيجابية في الحوار الوطني الذي جرى بالخرطوم خلال الفترة الماضية قائلا "أنا متفائل جدًا بتوقيع الجميع على خارطة الطريق" وأنَّ "الأطراف" اتفقت على (أن التوصيات المتعلقة بمستقبل السودان يجب أن تنبع من عملية شاملة حقًا). وأنَّ هذا أمر مهم (خاصة أن القرارات التي سيتم التوصل إليها من خلال هذه العملية الشاملة ستكون بمثابة أساس الدستور الوطني الذي ينبغي التفاوض عليه من خلال عملية شاملة).
وهذا الاهتمام الكبير من أمريكا بخارطة الطريق يبين أن إدارة أوباما جادة في الضغط على المعارضة للتوقيع على هذه الخارطة، ويشير كذلك إلى صلة هذا الاهتمام بالانتخابات الأمريكية (فقد كشف بوث في اجتماعه مع المعارضة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يوم السبت 18/6/2016م أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما "مهتم بتحقيق إنجازات في ملف السلام حول العالم قبل نهاية ولايته" العام الجاري) الجزيرة نت. والأمر الظاهر أنَّ أمريكا تعمل جاهدةً على تنفيذ ورقة معهد السلام الأمريكي موجز سلام رقم 155، الداعي لإنفاذ الحكومة والمعارضة لما يسمى بالحوار الوطني؛ الذي قعَّد له كبير المستشارين بمعهد السلام الأمريكي برنستون ليمان، وذلك لتضمن أمريكا تأسيس نظام علماني صريح، يحارب كل مظاهر الإسلام، ويمزق ما تبقى من السودان.
إن توقيع المعارضة على خارطة الطريق، يعتبر خطوة لازمة لإنجاح هذا الحوار الوطني (الأمريكي المنشأ)، لإعادة إنتاج النظام في السودان، بإشراك بعض قوى المعارضة في نظام علماني صريح، عبر دستور يُطبخ في أضابير الحوار الوطني، بعد أن تجمع أمريكا شذاذ الآفاق؛ ومرتزقة السياسة، وحركات مسلحة مرهونة القرار، وحكومة عميلة، بل تريد لهذا النظام العلماني الصريح أن يسهل تمزيق باقي السودان، بالنص في الدستور على الحكم الذاتي الموسع لإقليم دارفور، وعلى فكرة الفدرالية كاملة الصلاحيات. وعندما تعثر الأمر خرج المبعوث الأمريكي من وراء الكواليس ليحرك الأوضاع بلقائه بالحركات المسلحة والمعارضة، ثم بالحكومة، وفي اليوم نفسه 29/06/2016م أصدر مجلس الأمن القرار (2296) ليدعم الحوار الوطني، ويطلب من الجميع التوقيع على خارطة الطريق بوصفها معلماً بارزا في عملية إحلال السلام الشامل في السودان.
إنَّ خرائطَ الطريقِ السياسيةَ أسلوبٌ قديمٌ متجددٌ؛ من أساليبِ المستعمرين للتدخل في بلاد المسلمين، والتحكم في قراراتهم، ورهن البلاد لأنظمتهم ومبادئهم الباطلة، وإنه لمن المؤسف والمحزن أن تظل قضايا المسلمين رهينة بأيدي الكفار المستعمرين، في شكل خرائط واتفاقياتٍ مذلةٍ تحقق مصالحهم، لذلك كان واجباً أن ترفض وتكشف ويفضح أمرها، وقد أعزَّ الله هذه الأمة بدينه وشرع لها الأحكام والتشريعات لمعالجة كل مشاكل الحياة، مما يغنيها عن هذه الخرائط وما شابهها، ويجب أن يعلم أنَّه لن تعالج مشاكل المسلمين، بل كل العالم، علاجًا جذريًا إلا بالإسلام، ولن يطبق الإسلام إلا عبر دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ فهي وحدها صمام الأمان لما يواجهه المسلمون، وهي وحدها القاطعة لأيادي الكفار المستعمرين الطامعين في بلاد الإسلام.
بقلم: محمد جامع أبو أيمن
رأيك في الموضوع