...أمّا الطرف الثالث فهو المتمثل بأمريكا ومعها الدول الغربية وخلفهم المنظومة الدولية، وطبعاً بيدها أدواتها من الحكام العملاء ومنهم إيران ومحورها المزعوم. فعند هذا الطرف هناك ما يسمى بحل الدولتين، وهو حل يقضي بقيام دولة (إسرائيلية) يهودية على معظم مساحة فلسطين، تمتلك القوة العسكرية والنووية وبيدها الصلاحيات المطلقة ولها السيادة الكاملة، في مقابل دويلة وطنية فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة على ما تبقى من الضفة الغربية وقطاع غزة، أي ما يقرب عشرين في المائة من مساحة فلسطين. والجدير بالذكر أنّ جلّ الحركات الفلسطينية تقبل بهذا الحل وعلى رأسهم ما تسمى "السلطة الفلسطينية".
بقي الطرف الرابع وهو الذي تشكّل ولأول مرة بهذا الحجم والقوة بعد عملية طوفان الأقصى وما تبعها من كشفٍ للحقائق، وهذا الطرف هو الرأي العام الغربي ومعه الرأي العام العالمي. وهذا الطرف هو في الحقيقة مغيّر لكثير من الموازين وعلى وجه الخصوص في أمريكا والدول الغربية، لأن هذه الدول رأسمالية المعتقد، وحكوماتها تقوم في الأساس على فكرة كسب الرأي العام في الوصول للسلطة، وبالتالي فإنّ حكوماتها عندما ترى تغيّراً للرأي العالم منحازاً إلى أهل فلسطين، فعندها تستخدم هذا الأمر للضغط على كيان يهود والدفع في تقديم التنازلات والسير في حل لا يفقد معه الغرب مصالحه في بلادنا.
لا شك بعد سرد رؤية هذه الأطراف المؤثرة في الحل النهائي لقضية فلسطين، أن نبني تصوراً عقلانياً يفضي إلى الحق والعدل في نتيجته. ولأن جوهر القضية عاد اليوم إلى حيث بدأ، أي عاد لصبغته الدينية القائمة على عقيدة كل طرف من الأطراف المذكورة، فإنّه لا بد أن يكون لطبيعة وصفة وإيمان كل طرف بعقيدته نصيب في تحقيق النتيجة التي يؤمن بها.
بهذا ندرك أنّ واقع الحل بالنسبة للأرض المباركة بعد عملية طوفان الأقصى ليس كما قبله؛ فما حصل من هزّة داخل كيان يهود لم يسبق لها مثيل؛ أولاً بتحطيم أسطورة جيشه ومنظومته الأمنية وإظهار هشاشتها، وثانياً بالرعب وفقدان الأمان في البقاء عند مواطنيه وعند من يريد السفر إليه.
كل هذا ومعه صفات وطبائع اليهودي المتطرف المتحكّم في السلطة، يجعل منه أصعب العقول تعاملاً بالنسبة لأمريكا باعتبارها وريثة الاستعمار القديم وقائدة العالم الغربي، الذي أقام ودعم وحمى كيان يهود طوال عقود ولا يزالون طالما مصالحهم في أمان. لكن أمريكا ترى أنّ هذا التهور من نتنياهو قد يقضي على الكيان في حال تركته لأهوائه، ومعه كل الكيانات وأشباه الدول في بلاد المسلمين، وبالتالي خسارة مصالحهم ووجودهم في بلاد المسلمين إلى غير عودة، وهذا قد يكون أسوأ وأخطر وضع تصادفه أمريكا بعد خروج الأمّة على عملائها من الحكام وإدراك الأمة يوماً بعد يوم حتمية نهضتها من جديد.
في الواقع إنّ هذا المشهد هو الذي يجري حتى الآن، ومعه تزداد عند الأمة الإسلامية حالة الغضب والحقد على يهود والغرب الكافر المستعمر وأدواتهم من حكام العرب والمسلمين، وهم بين داعم مباشر لما يرتكبه يهود من إجرام بحق المدنيين، وبين مخادع دجال يظهر الرفض والتنديد، ولا يوقفه وهو عليه قادر، بل على إزالة هذا الكيان المسخ برمّته. ولكن أنّى له هذا الشرف وهو شريكه في المصير والزوال؟!
نعم في ظل هذا المشهد الدامي في الأرض المباركة الذي يأتي من مسلسل ليس بأقل دموية ووحشية قد جرى ولا يزال بحق المسلمين في سوريا على يد أدوات أمريكا، من النظام السوري المجرم وحلفائه، ومن قبلُ في العراق وأفغانستان؛ يصبح القول الفصل في هذه المشاهد كلها أنّ الأمّة الإسلامية ما شُتّتتْ إلّا من بعد أنْ مزّق الكافر المستعمر دولتها إلى أشباه دول وسلب منها سلطانها، وما احتُلّتْ فلسطين وما عاش المسلمون في شقاء وهوان وذل وتقتيل وتشريد إلّا من بعد ذلك، حتى بيد من ضرب الله عليهم الذّلة والهوان وجعل منهم القردة والخنازير.
ومعه يتبين حل واحد أمام هذه الأمة لا غير، وهو حل دويلات سايكس بيكو كاملةً والتخلص منها كلها ومن ضمنها كيان يهود، وإرجاع دولة الإسلام ثانيةً على منهاج النبوة بعد هذا الحكم الجبري تصديقاً لبشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الذي ختمه بقوله: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُبُوَّةِ». وهذا هو الواجب الشرعي لإعادة شرع الله إلى الوجود وحكم الإسلام إلى الواقع والحياة، فما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب.
﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
بقلم: الأستاذ عبد الله العلي
رأيك في الموضوع