قام الرئيس الأمريكي السابق ترامب يدفع عن نفسه التهم الموجهة إليه في المحكمة يوم 4/4/2023، إذ وجهت إليه 34 تهمة جنائية في محكمة مانهاتن العليا بنيويورك، منها إخفاؤه مدفوعات لشراء صمت عاهرتين مارس معهما الفاحشة، وتحريضه أنصاره على الهجوم على الكابيتول يوم 6/1/2021 لمنع تنصيب بايدن الذي أعلن فوزه في الانتخابات الرئاسية، ومحاولته إلغاء نتائج انتخابات في ولاية جورجيا، واحتفاظه بوثائق سرية بعد انتهاء رئاسته.
وادّعى أنه غير مذنب، واتهم القاضي الذي يحاكمه قائلا: "إن القاضي ميرشان يكرهني". وقال: "إن مانهاتن بما فيها من مناطق صوتت للجمهوريين بنسبة 1% ليست مكانا عادلا". وفي هذا الكلام تعريض وتحريض على الانقسام والانتقام. وقال "إن القضية المفبركة هي ببساطة جزء من مؤامرة للحزب الديمقراطي للتدخل في الانتخابات الرئاسية العام القادم التي يترشح لخوضها". وهذا ينذر بجعل الوضع السياسي الداخلي متأزما. وقال محامي ترامب "إن مبدأ سيادة القانون مات في الولايات المتحدة"، أي أنه يشكك في قوانين بلاده وفي حيادية المحكمة ويتهمها بالانحياز. فعندما تخرم العدالة ويشكك في سيادة القانون تضعف الثقة في الدولة، ما يقلل من هيبتها ويجعل الناس يتطاولون عليها ومن ثم يتمردون عليها كما حصل بالفعل عندما شكك في صحة نتائج الانتخابات فأدى ذلك إلى الهجوم على الكابيتول المحفل المقدس! واتهم رئيس مجلس النواب الأمريكي مكارثي وهو جمهوري الديمقراطيين "بالاستغلال الشنيع للسلطة". ما يدل على عدم ثقة الطرفين الرئيسين الجمهوريين والديمقراطيين بعضهما ببعض، وهم الذين قادوا أمريكا واحتكروا السلطة بأيديهم منذ تأسيسها حتى اليوم وكانوا متناغمين وكأنهم يتبادلون الأدوار في دورة انتخابية لأغراض سياسية داخلية أو خارجية، وحالوا دون بروز أية قوة سياسية أخرى مختلفة عنهم، ومن كان يريد أن يعمل في السياسة فليعمل تحت مظلتهم وحسب سياستهم.
فإذا حصل صراع بين هؤلاء الممسكين بزمام الأمور في البلاد ولم يقدر أحد على وقفه فإن ذلك سيؤدي إلى خلخلة الاتحاد وتصدع النظام، وبالتالي ظهور محاولات من الولايات للانفصال عن الاتحاد الفيدرالي الذي هو كنظام اتحادي يحمل في طياته بذور الانشقاق وعوامل الانفصال، وقد ظهرت عواقبه في بعض البلاد كالاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وتشيكوسلفاكيا. سيما وأن هناك توجهات انفصالية كامنة لدى بعض الولايات مثل كاليفورنيا التي ظهرت فيها دعوات للاستفتاء على الانفصال عام 2019، وولاية تكساس التي حصل فيها تمرد مجموعة مسلحة دعت إلى استقلال الولاية عام 1998. علما أن الحرب بين ولايات الشمال وولايات الجنوب التي حاولت الانفصال والتي استمرت 5 سنوات بين عامي 1860 و1865 ما زالت محفورة في الأذهان.
وقد توعد ترامب أمريكا بمصير أسود قائلا: "إن الولايات المتحدة ذاهبة إلى الجحيم". ففي هذا الكلام تهديد مبطن بأن أتباعه مستعدون لحرق البلد إذا مسّه الضر، حيث قاموا باحتلال الكابيتول الذي يعتبر مركز السلطتين التشريعية والقضائية وعاثوا فيه فسادا.
وهذا ينذر بأن أمريكا على وشك السقوط في أتون مشاكل داخلية عميقة ستكون لها عواقب وخيمة على المدى البعيد وربما تؤدي إلى تفكك ولاياتها فتسقط عن كونها دولة أولى في العالم. سيما وأن عدد التهم الموجهة إليه يشير إلى أن جولات المحاكمة ستطول لسنة قادمة، حيث يعمل الديمقراطيون على عرقلة ترشحه في الانتخابات التي ستجري العام القادم، ولو ترشح وفاز فإن التهم ستلاحقه ما يجعل الإدارة في قلق واضطراب وصراع مع الطرف الآخر وعمليات نكاية وانتقام من بعضهما.
إن ترامب بعقليته وتوجهه يمثل قطاعا عنصريا بغيضا واسعا تحت مظلة الجمهوريين. وإذا ما ترشح ونجح مرة أخرى فسوف يثير المشاكل لأمريكا أثناء ولايته وتنشغل بمشاكلها الداخلية أكثر. وهناك استطلاعات للرأي العام تشير إلى أنه يحظى بشعبية كبيرة بين الجمهوريين. ويظهر أن هناك رغبة في حرقه حتى من قوى في الحزب الجمهوري لما فيه من تهديد للاتحاد، ولأنهم ينافسونهم ويطمحون بالفوز بمقعد الرئاسة.
إن ظهور ترامب كشف عن مدى هشاشة التماسك المجتمعي والسياسي في أمريكا، وهذا يجب أن يقيمه المبدئيون الساعون لإقامة دولة كبرى تعمل على زحزحة أمريكا عن مركز الدولة الأولى في العالم والحلول محلها. بجانب فظاعة ظلم النظام الرأسمالي المطبق فيها، واتساع الهوة بين الأغنياء الذين نسبتهم 1% ويملكون 99% من ثروات البلاد، وبين الفقراء الذين تبلغ نسبتهم 13% وبالكاد يستطيعون الحصول على قوتهم اليومي، وتعدادهم نحو 38 مليون نسمة، عدا أن الطبقة المتوسطة تعمل ليل نهار للأغنياء حتى توجد لديها الكفاف. بجانب أن النظام الرأسمالي الاقتصادي هو بحد ذاته متصدع لكونه نظاما فاسدا وباطلا يعاني من مشاكل عميقة ويدخل البلاد دائما في أزمات مالية واقتصادية، وبمجرد ظهور دولة مبدئية كدولة الخلافة الراشدة لديها نظام اقتصادي متميز، وقد ثبتت صحته عقليا وواقعيا على مدى 1300 سنة، فإن النظام الرأسمالي المسيطر على العالم والذي تقوده أمريكا سيبدأ بالتهاوي، ويبدأ الناس بالتخلي عنه، لأنه سيكون مسبة ووصمة عار على جبين من يطبقه، وهو ينطق بالظلم في كل جوانبه، ولكن وجد له رأي عام ورعته دول استعمارية كبرى كان لها نصيب في الحربين العالميتين، وعملت على فرضه على العالم كله، وخاصة بعد سقوط منافسه النظام الاشتراكي الشيوعي وتخلي معتنقيه ودوله عنه، فأصبح الناس كلهم يئنون تحت وطأة جور الرأسمالية. وعندئذ سيبدأ الناس يتطلعون إلى النظام الإسلامي، إذ أصبحت له دولة تطبقه وتعمل على إحسان تطبيقه وعلى إيجاد رأي عام له. لأن الناس لا يقبلون فكرا أو نظاما جديدا ولو كان صحيحا إلا إذا كانت له دولة تطبقه وتوجد له رأي عام وتعمل على فرضه على العالم.
ولهذا فإن المسؤولية تقع على عاتق المخلصين الغيورين من أبناء الأمة ليحثوا الخطا لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، حيث إن الظروف بدأت تتهيأ أكثر وأكثر لإقامتها، وسيشعر العملاء بأنهم فقدوا الحماية من سيدتهم أمريكا فيسهل إسقاطهم، بجانب أن الدول الكبرى الأخرى وهي مهترئة لا تقوى على شيء، سوى أن الآخرين ضعفاء ممزقين، وتعيش في دوامة الأزمات الاقتصادية والداخلية، وقد ورطت بحرب أوكرانيا وتهديدات روسيا التي ستبقى تسيطر على أذهانهم وتقلقهم وتمنعهم من التفكير في خوض حرب مع المسلمين بجانب انشغالهم هم وأمريكا في أمر الصين وخطرها عليهم.
رأيك في الموضوع