أما عن دويلة الوظيفة الاستعمارية بالمغرب فمع كل هذا السفور الاستعماري وسيل الإهانات التي تكال لها، فهي لا ترى في هذه العلاقة الاستعمارية خيانة وعارا، بل أقصى خطواتها أن أوعزت لبرلمانها الهزيل تلاوة بيان عارها وخزيها ومن أنها ماضية في وظيفتها الاستعمارية، وضَمَّنت ذلك في حيثيات ردها الرسمي بعدما أفصحت عن خلفية الأزمة من كونها متعلقة بالتحركات الخارجية لرأس النظام خدمة للاستعمار المنافس (البريطاني تحديدا والأمريكي الذي استجد)، جاء فيه أن المغرب "لا ينتظر دروسا من برلمانيين أوروبيين يملكون أجندة ضد مصالح المغرب، لكونه دولة تتحرك وتتموقع سياسيا واقتصاديا على المستوى الأفريقي والأمريكي، بالإضافة إلى علاقاتها القوية، الشيء الذي خلق متاعب للجانب الأوروبي"، وأخزى منها تعمية البيان على الفاعل عطفا على أسلوب الذلة والمسكنة الذي صبغ البيان "يعرب البرلمان المغربي عن خيبة أمله إزاء الموقف السلبي والدور غير البناء الذي لعبته خلال المناقشات في البرلمان الأوروبي والمشاورات بشأن مشروع التوصية المعادية لبلادنا، بعض المجموعات السياسية المنتمية لبلد يعتبر شريكا تاريخيا للمغرب. ويأسف لتلك المواقف والممارسات التي لا علاقة لها بالصدق والإخلاص اللذين تقتضيهما روح الشراكة". إذا استثنينا إسبانيا التي صوت برلمانيو حزب العمال الاشتراكي الإسباني الحاكم ضد القرار الأوروبي فضلا عن تطبيع الإسبان لعلاقتهم الاستعمارية مع النظام بالمغرب، أما عن القضاء البلجيكي فبحكم أن واقعة الرشاوي تمت بمقر البرلمان ببروكسل عاصمة بلجيكا، إذن تبقى فرنسا هي الفاعل حصرا وقصرا فلِم خزي وعار التعمية؟!
هو عار دويلات العار، دويلات الوظيفة الاستعمارية، فاق كل عار وكل أمرها عار، فرغم كد النظام بالمغرب وجهده في خدمة الاستعمار وخيانة أهل الدار، بعدما تحول لشرطي ودركي لحراسة وتأمين الحدود الجنوبية لأوروبا الاستعمارية، وسخر إمكانات أهل البلد لتحقيق غاية المستعمر، وتصدى ومنع عشرات الآلاف من البؤساء والمحرومين من بلدان أفريقيا الذين نهبت ثرواتهم دول أوروبا الاستعمارية وأفقرتهم حتى هاموا على وجوههم يتسولون فتات نهبهم، من الوصول إلى شواطئها بل في خزيه يسعى لتوطينهم ببلاد المغرب لتغيير نسيج أهله الحضاري كجزء من الحرب الحضارية الدائرة ضد الإسلام وأهله، ثم عمل هذا النظام جاسوسا على أبناء المسلمين لمصلحة الاستخبارات الأوروبية بعدما انخرط كلية في حرب الغرب على الإسلام وأهله، وفي حقارته يتفاخر بذلك، ثم جعل البلد سوقا وأغرقها بالمنتجات الأوروبية بعد أن تم سحق إنتاج وصناعات أهل البلد عبر نظامه الضريبي المشؤوم، فالأوروبي المستعمر عبر الاتفاق الاستعماري "اتفاقيات الشراكة" التي بموجبها تم إعفاء شركاته ومنتجاته من ضرائب الجمارك، وفي المقابل تم تعويض هذه الواردات المالية التي تم إعفاء المستعمر الأوروبي منها بضرائب تجبى من أهل البلد، ما أدى إلى إفلاس صناعات أهل البلد (صناعة الأحذية والملابس والمفروشات والتغذية والنظافة والزينة والمعدات المنزلية...)، وصير بحار المغرب نهبا لأسطول الصيد الأوروبي عبر اتفاقيات الصيد الجائرة، ومد الأوروبيين بالمواد الأولية خدمة لصناعاتهم واحتكاراتهم، ثم حول البلد لحديقة خلفية لسياحة واستجمام رعاع أوروبا، سياحتهم التي استنزفت مياه أهل البلد وأموالهم في صيانة الفنادق والمنتجعات والملاهي والملاعب الخاوية أكثر أشهر السنة، عطفا على احتلال شواطئهم وحرمانهم من بحارهم بعدما حولتها شركات السياحة الأوروبية لملكية خاصة، ثم تم تمكين الشركات الأوروبية الاستعمارية من ثروات البلد بحره وبره وأعماق أرضه وبحره عبر تلك العقود الاستعمارية الظالمة، حتى استنزفت كل خيرات البلد وما ترك لأهلها إلا القليل القليل من أرذل حصاد أرضهم وسمك بحرهم، أما معادنهم ومناجمهم فهي عنهم محرمة، فندرة سلع أهل البلد وتحكم المستعمر في تجارتهم أدى إلى غلاء محاصيلهم ولحومهم وأسماكهم وكل معيشتهم.
كل هذا العار والخزي ولا ترى هذا الاتحاد الأوروبي البائس في هوانه وتصدع بنيانه وإفلاس منظومته وتراكم أزماته وتنافر دوله، لا تراه يتعامل مع هذه الدويلات إلا كمستعمرات وظيفتها تأمين كل مصالحه. فهذه الرؤية الاستعمارية هي الحاكمة والناظمة للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي الاستعماري وكل دويلات الوظيفة الاستعمارية ومنها المغرب.
أما توصيته الأخيرة فما كانت إلا من تلك العلاقة الاستعمارية وأداة من أدوات الابتزاز لتحصيل وتأمين المزيد من المصالح الاستعمارية في ظل التطاحن والتكالب الاستعماري لدول الغرب. وملفات الابتزاز التي يتم توظيفها في الملف المغربي تكاد تحصر في ملف الصحراء وملف حقوق الإنسان وملف الصيد البحري وملف المنتوجات الفلاحية.
أما الجهات المحركة لهذه الملفات فمتعددة، فمتى عُلِم أن هذا الاتحاد الأوروبي البائس لا يعدو عن كونه سوقا لا أكثر ولا أقل، وما كانت له لا سابقا ولا لاحقا سياسة خارجية فضلا أن تكون سياسة خارجية موحدة، بل تتنازعه دوله الكبرى خدمة لمصالحها الخاصة، وعليه فالابتزاز الاستعماري من ورائه دوما دولة أو دول من ذلك الاتحاد الأوروبي البائس. والابتزاز الأخير لا يفهم إلا في هذا السياق وتحريك ملف حقوق الإنسان هو لتحقيق غاية استعمارية، فأوروبا الاستعمارية غير معنية بوحشية النظام بالمغرب تجاه أهله، فهي من صنعت وحوشنا وغذتهم على دمائنا خدمة لاستعمارها، فلا يتحامق مغفل مضبوع بسفاهة حقوق إنسانها.
هو الاستعمار دوما وأبدا شق أصيل في الفلسفة الرأسمالية الملعونة مرفوقا بعار وخزي حظائر الاستعمار، هو سعار كلاب الغرب في تهارشها وجرثومة توحشهم التي استشرت واستفحلت وحان زمن استئصالها، وكفى بخلافة الإسلام العظيم طبيبا حاذقا لاجتثاثها، وإن غدا لناظره قريب. ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾.
رأيك في الموضوع