أعلن صندوق النقد الدولي موافقته على برنامج تعاون لمصر، مدته 46 شهراً، بمبلغ 3 مليارات دولار أمريكي، بحسب بيان من الصندوق السبت 17/12/2022م، وتتضمن حزمة السياسات التي يشملها البرنامج إجراءات منها التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن وتنفيذ سياسة نقدية تهدف إلى تخفيض معدلات التضخم.
قروض فقروض وقروض لسداد عوائد قروض، دوامة أزمات لا تنتهي تعيشها مصر، تعصف بأهلها ومقدراتهم فتجعلها رهينة التبعية للغرب الذي يستعبد أهلها بعد الاستحواذ على مواردهم ونهب ثرواتهم، هذا واقع القروض وما تجره على أهل مصر من ويلات، فمن الذي يقرض ولماذا؟ وهل مصر بحاجة لتلك القروض؟ وهل تملك مصر ما يكفيها من موارد؟ وكيف تملك وكيف تنتج وتستثمر في خدمة الناس؟
جون بركنز مؤلف كتاب "الاغتيال الاقتصادي للأمم"، وقد كان قرصانا يعمل في صندوق النقد يقول عن مهمته في الإسكندرية: "توجهنا لدراسة شبكة المجاري والصرف التي شيدتها في حينه الشركات الأمريكية نفسها، في واقع الأمر لم تصب الأموال المخصصة لهذا المشروع في الاقتصاد المصري أبدا، وقع السادات عقدا كبيرا للحصول على قروض أما نحن فقمنا بتصميم الشبكة كلها والمؤلفة من مجموعة كبيرة من القنوات الجارية تحت الأرض، جميع الأموال التي أنفقناها خصمت من ديون مصر وذهبت إلى جيوب الشركات الأمريكية، تشييد الشبكة مكن السادات من أن يقول لشعبه إنه يصنع إنجازا ويحسن الأحوال الصحية لسكان المدينة وكان ذلك حقيقة إلى حد ما لكن إذا تحدثنا بصراحة لقلنا إن الأحياء الفقيرة لم تستفد من هذا المشروع لأن الشبكة خصصت أساسا لخدمة الأحياء الثرية والتجارية في الإسكندرية"، ويتابع "كان السادات يستهدف أن تلعب مصر دور الوسيط بين أمريكا والعالم العربي والإسلامي لكي يغير العرب موقفهم من (إسرائيل)، وكما نعرف فقد أصبحت مصر بمثابة جسر لعملية السلام بل ومفتاحا لهذه العملية الأمر الذي أفضى إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة، كان هنري كيسينجر يقف وراء هذه العملية، وبالتالي أصبحت مصر أكبر زبون للمساعدات الأمريكية التي اقترنت بمجموعة كاملة من الشروط من بينها ما جعل أمريكا المصدر الرئيسي للأسلحة لمصر، كما فازت بحصة الأسد في مشروعات البنية التحتية، وهكذا اعتقد المصريون أنهم يتقاضون منا مبالغ كبيرة، لكن القسم الأعظم من هذه الأموال كان يخصم من الديون المصرية لحساب الشركات الأمريكية، وهذا ما أدى بدوره إلى زيادة الديون المصرية بصورة مطردة".
وعلى دول العالم الثالث، ومنها مصر، أن تدرك أن القروض الضخمة التي قد تعجز عن دفعها سوف تؤدي إلى احتلال حديث لها بدون جيوش بعد أن يتم تحويل حكام هذه الدول إلى موظفين ينفذون أوامر الدول المقرضة، وفي الوقت نفسه هم مفترون على شعوبهم. وقد سبق احتلال مصر بالإنجليز بالطريقة نفسها بسبب قروض إسماعيل باشا، هذا هو واقع الصندوق الدولي مؤسسة استعمارية تستعمل القروض كوسيلة لاغتيال الأمم واستعبادها وتقييدها بقيود الارتهان والتبعية ناهيك عن تمكينها من الهيمنة على موارد البلاد ونهب ثرواتها بما تفرضه من شروط وسياسات تفتح البلاد على مصراعيها أمام شركات الغرب الرأسمالية، فهل تحتاج مصر لتلك القروض أو للصندوق الدولي؟!
لم ولن تكون القروض حلا لأزمات مصر بل أحد أهم أسبابها لما فيها من ربا حرام ولكونها وسيلة استعمارية يستغلها الغرب لاحتلال الشعوب بلا جيوش ولا سلاح، هذا ولا ينال أهل مصر من تلك القروض شيئا اللهم إلا ما يترتب عليها من أعباء سداد الدين وخدمته، وما يصاحبها من شروط وسياسات تزيد الأزمات وتعمقها وتلتهم ما تبقى من جهود الناس. إن مصر ليست بحاجة للتعامل مع تلك المؤسسات الاستعمارية ولا تحتاج قروضها أو مساعداتها حتى لو لم تكن مشروطة أو ربوية، فمصر تملك من الموارد والخيرات ما يؤهلها لكي تكون دولة عظمى إن لم تكن الدولة الأولى في العالم، ففيها تنوع هائل من الموارد بين نفط وغاز وذهب وغيرها من المعادن والثروات الدفينة، حتى رمال صحرائها ذات قيمة عالية، فضلا عن المسطحات الممتدة للصيد والمساحات الواسعة الصالحة للزراعة والتي تكفي لكي تصدر مصر القمح للعالم بدلا من أن تكون الأولى عالميا في استيراده! فهل في قوانين الرأسمالية ما يمكنها من تلك الموارد؟! وكيف تتمكن مصر منها، وكيف تنتج الثروة منها وكيف تتعامل مع هذه الثروات الهائلة حقا؟ ومن يملك النظرة الصحيحة التي تحقق هذا كله وبشكل صحيح؟!
قطعا لا تملك الرأسمالية حلولا للمعضلة التي تحيق بمصر الآن ولن تمكنها من مواردها وثرواتها التي يهيمن الغرب عليها وعلى منابعها، ومصر ليست بحاجة للرأسمالية ولا لقروضها وحلولها ومعالجاتها الفاسدة بل تحتاج نظاما جديدا قادرا على إدارة الثروة وتوزيعها على الوجه الصحيح الذي يصلح حال الناس حقا، فمصر بحاجة إلى الإسلام برؤيته المبنية على الوحي لحاجات الإنسان وكيفية إشباعها وما يصلح حاله وحال المجتمع على الوجه الصحيح، وما فيه من تقسيم رائع للملكيات. ونظرة دقيقة للموارد وكيفية التعامل معها فإن الإسلام بنظامه العادل قد جعل منابع الموارد ملكية عامة لا يجوز للدولة التصرف فيها بالبيع أو الهبة أو منح حق الامتياز بل يجب أن تكون في يد الدولة وتقوم هي بنفسها بإنتاج الثروة منها وإعادة توزيعها على الناس جميعا على حد سواء مسلمين وغير مسلمين، كما أعطى للناس الحق في إعمار الأرض بالسكن والزرع وبناء المصانع وأوجب على الدولة أن تحثهم على هذا وتدعمهم وتهيئ لهم الأجواء التي تجعل عملهم سهلا يسيرا منتجا، فكيف بربكم لو طبق هذا هل نرى في مصر فقيرا أو عاطلا؟ وهل تحتاج مصر قروضا ومساعدات من أحد؟!
هذا ما أوجبه الإسلام وهو ما ستطبقه دولة الخلافة القائمة قريبا بإذن الله، وهو ما يحمله ويعمل له حزب التحرير وما يجب أن يعمل لتطبيقه ليصير واقعا عمليا كل من يريد لمصر خيرا أو يسعى حقا لنهضتها.
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع