كشف الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني تعرضه لضغوط وصفها بالرهيبة والخطيرة من أمريكا لإتمام صفقة التسوية مع أحزاب الحرية والتغيير. جاء ذلك لدى لقائه مع ممثلين لقطاعات أهلية وسياسية بالخرطوم. وقال البرهان إنه لا يملك خياراً غير المضي في خط التسوية.
إن المضي في خط التسوية مع أحزاب الحرية والتغيير التي يقول عنها البرهان إنه أُجبر على المضي فيها وقبولها، هو تكريس للنظام العلماني، فهذه التسوية قائمة على أساس الدستور المطروح ويخدم أجندة الغرب الكافر المستعمر ولا يخدم متطلبات أهل البلاد المتمثلة في حياة كريمة. والأخطر من ذلك أنها تعرض السودان لخطر التمزيق والتفتيت فيضعفها ليسهل على المستعمر نهب الثروات والحيلولة دون نهضة الأمة. وأيضا هذه التسوية تقنن لنظام الحواكير وتمزيق البلاد على أساس القبيلة والعرق والجهة... ويقنن لفكرة الحريات التي دمرت الغرب نفسه وجعلته أكثر انحطاطا من البهائم. فهذه التسوية هي فكرة شيطانية تلقفتها الحكومة الانتقالية من سفارات الغرب المستعمر وأعوانه في الداخل.
إن فكرة الحريات فوق كونها باطلة عقلاً وشرعاً، فقد جلبت الفساد والدمار والكوارث على المجتمعات الرأسمالية نفسها دون استثناء؛ فالحريات التي نص عليها الدستور المطروح كوثيقة للتسوية السياسية في السودان، دمرت الغرب بالانحلال الخلقي النابع من الحرية الشخصية، وجلبت الأمراض الفتاكة كالإيدز، أما حرية الملكية فقد جلبت الشركات الرأسمالية العملاقة والبنوك، وبالتالي سيطرة الرأسماليين على منابع الثروة، وحرمان باقي أبناء المجتمع منها، وإن الواقع المشاهد المحسوس هو خير شاهد على فساد الفكر الرأسمالي الغربي، لما أحدثته هذه الأفكار السقيمة من أزمات اقتصادية متعاقبة على بلاد الغرب وخاصةً أمريكا.
أما إذا نظرنا إلى الديمقراطية التي يتغنى بها الغرب، فنرى أنها خادمٌ للرأسماليين الكبار في دول الغرب من أجل السيطرة على الحكم، ولا تجعل للشعب نصيباً في السلطة والثروة، والدليل على ذلك أنه في أية دولة من الدول التي تسمي نفسها ديمقراطية وعلى رأسها أمريكا، فإن الأحزاب الرأسمالية هي التي تصل إلى الحكم عن طريق شراء الذمم والأصوات، ولا يصل إلى البيت الأبيض ولا إلى المراكز الحساسة في الدولة غيرهم، هذا عدا عن فساد الديمقراطية في أنها تجعل المشرّع هو الإنسان في مجتمعٍ كلّ أهله مسلمون!
فقد حانت الفرصة يا برهان لتقف موقفا يرضي الله ورسوله فلا تنحني وتعين أعداء الله على باطلهم، فتورد الناس موارد الهلاك بتنفيذ هذه المؤامرة الوقحة الخائنة، ولا تستجب لهم فتظلم نفسك وتظلم الأمة كلها بالانجرار وراء مخططات الغرب المستعمر، فإنها لا تجلب سوى اللعنة من الله ورسوله ﷺ والناس أجمعين. عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله ﷺ قال: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ». ومن كرم الله أن بيّن لنا نفسية الكافر اللعين حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾. ويقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾.
فطاعة الذين كفروا ولا سيما رأس الكفر والطغيان أمريكا، عاقبتها الخسارة المؤكدة، وليس فيها ربح ولا منفعة، فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر، فالمؤمن إما أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر والكفار، ويكافح الباطل والمبطلين، وإما أن يرتد على عقبيه. والذي لا يكافح الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان لا بد أن يخذل ويتقهقر، والذي لا تعصمه عقيدته وإيمانه من طاعة الكافرين، والاستماع إليهم والثقة بهم، فإن خسارته كبيرة.
ألم تأخذ العبرة بسقوط كابول التي قدمت نموذجاً ممتازاً للصداقة الأمريكية وحماية الأصدقاء والمتعاملين معها أو العملاء صراحة. فالصداقة والتعاون هي مفاهيم لا وجود لها في القاموس الأمريكي بسبب رؤيتها البراغماتية والاستعمارية، فالأيديولوجية الأمريكية الذرائعية لا تقوم على مبادئ عليا ومثاليات، فاسأل من كان قبلك من الحكام عن عاقبة طاعتهم لأمريكا والاستجابة لها ماذا جنوا منها بعد أن انصاعوا لها؟! والواقع خير دليل فبعد أن أخذت منهم ما تريد ألقت بهم في واد سحيق فمنهم من مات حسرة، ومنهم من ينتظر في السجون ويعض أصابع الندم، فلا تلدغ من جحرهم، وَقد قالها الرئيس السابق عمر البشير وقبله قالها حسني مبارك "من تغطى بأمريكا فهو عريان".
أما آن لك يا برهان أن تبيض وجهك الذي سودته أمريكا بخبثها وخططها التي نفذت بكم وكنتم مطية لها، وأن تسلم السلطة لأهلها الساعين لإقامتها خلافة راشدة على منهاج النبوة، الذين يملكون تصورا واضحا ودستورا قائماً على أساس الإسلام العظيم، ففيها خيري الدنيا والآخرة، وبها نعود سادة للعالم كما كنا؟! وما ذلك على الله بعزيز.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع