منذ أكثر من شهر والكثير من الأقارب والجيران السياسيين لنداء تونس ينتظرون بشغف زيارة الباجي قائد السبسي لأمريكا. وفي الوهلة الأولى يعطي هذا التعاطي مع الزيارة انطباعا من كونها الزيارة الأهم في تاريخ تونس، وأنها زيارة قد تحل جميع مشاكل تونس الداخلية والخارجية.. ولكن في الحقيقة لا يعدو أن يكون الأمر مجرد ولع مرضي بأي أمر له علاقة بأمريكا، ولا يعدو أن يكون أيضا مجرد وسيلة إلهاء للناس في تونس عن مشاغلهم وقضاياهم الحقيقية وجعلهم - كما هو شأن سياسييهم - ينتظرون المنّ من الأجنبي.
السياق العام للزيارة:
من المعلوم أن السبسي قد اعترف في أحد اللقاءات الصحفية أنّه ومنذ كان رئيسا للحكومة سنة 2011م ومنذ لقائه بالرئيس الأمريكي باراك أوباما عند حضوره الشرفي لاجتماع مجموعة الثمانية حينها، أكد الباجي أن الرئيس الأمريكي قد وعده بزيارة لأمريكا وأنه يرغب بأن يحل الباجي قائد السبسي ضيفا على الولايات المتحدة الأمريكية.
ويذهب الباجي قائد السبسي لأمريكا تاركا وراءه ثورة حول ملف الثروات واحتجاجات وتوترا في مناطق عدة وخاصة في الجنوب - الفوار - وتاركا وراءه أزمة الفوسفات وأجواء شعبية محتقنة وأجواء سياسية مهتزة.
فهل يظن أن زيارته لأمريكا ستعطيه الوصفة السحرية لحل هذه المشاكل؟
أم أنه كان يظن أن الإدارة الأمريكية على دراية بهذه الأزمات لتقدم له الحلول؟.
البعد السياسي للزيارة:
يعتبر غياب الطيب البكوش وزير الخارجية وكبير الدبلوماسيين، وأن يحل مكانه محسن مرزوق المستقيل من مهمة مستشار لرئيس الدولة، دليلا واضحا على أن الزيارة لا تحمل أي بعد سياسي ملموس، وأن هذه الزيارة لن يكون فيها أي توقيع على أي اتفاقية بين البلدين وأن ما وقعه محسن مرزوق ما هو سوى مذكرة غير إلزامية وليس لها تبعات فعلية وعملية على أرض الواقع، لنفهم أن هذه الزيارة والتي أخذت زخما إعلاميا - محليا - مهما لا تعدو أن تكون مجرد زيارة شكلية أخذت بعدا استعراضيا فقد ركزت على حفاوة الاستقبال الذي حظي بها الباجي قائد السبسي وأنه مرشح لأن يقود مفاوضات ومصالحة بين الفرقاء الليبيين، ولعل هذا الملف السياسي الوحيد الذي يمكن أن يعطي لهذه الزيارة بعدا سياسيا. فالتشاور مع وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر في مقر وزارة الدفاع لم يكن موضوعه الرئيس سوى الملف الليبي وذلك قبل التطرق للتعاون العسكري التقليدي بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية.
أوباما ومنح تونس صفة حليف أساسي غير عضو في الناتو:
أفاد الرئيس الأمريكي أنه تطرق في لقائه مع رئيس الجمهورية إلى أهمية المسألة الأمنية مقرا بأهمية هذا الملف وبضرورة مزيد من توحيد الجهود من أجل مقاومة الإرهاب، معلنا في هذا الصدد عن منح تونس صفة حليف أساسي غير عضو في حلف شمال الأطلسي.
وقد تضاربت المواقف الداخلية والخارجية من هذا الأمر بين رافض ومؤيد.
فقد ألقى تقديم واشنطن صفة حليف استراتيجي لتونس بظلاله على الجزائر، فقد أبدى خبراء في البلاد قلقهم من فرض أمريكا اشتراطات عسكرية كإقامة قواعد أمريكية على الأراضي التونسية تقربها أكثر من النفط الليبي.
وهذا ما حدا بمحسن مرزوق وفي محاولة لطمأنة الجانب الجزائري إلى القول "إن هذا الأمر - منح تونس صفة حليف استراتيجي - لن يغير مبادئ تونس الدبلوماسية أو علاقتها مع الجزائر".
وتتيح هذه الشراكة الحصول على تعاون عسكري متين من الولايات المتحدة خصوصا في مجال الأسلحة وتطويرها.
ومن الواضح أن البعض يرى - وخاصة الجزائر - أن هذه الصفة الممنوحة لا تحمل بعدا إيجابيا للمنطقة، فقد تسبب الحلف الأطلسي في الاضطرابات التي تشهدها ليبيا بعد سقوط القذافي، كما أن أمريكا أقامت قواعد عسكرية مع كل حلفائها خارج "الناتو". وقد اعتبر المحلل السياسي الجزائري زهير بوعمامة أن واشنطن لا يمكنها أن تكون المخلص من أي مشاكل والدليل ما يحدث في العراق "لقد فشلت أمريكا في حماية مدينة الرمادي من التقدم الداعشي، فكيف الأمر مع دولة كتونس أو ليبيا أو غيرهما".
وقال أن احتمال فرض أمريكا إقامة قواعد عسكرية على الأراضي التونسية قائم، بدليل أنها فعلت ذلك مع كل حلفائها خارج الحلف الأطلسي.
كما اعتبر مقداد إسعاد الخبير الجزائري أن زيارة الرئيس التونسي قائد السبسي إلى البيت الأبيض يعتريها كثير من اللبس، خاصة أن مضمون الاتفاقية التي وقعها مع أوباما يبقى مجهولا بالإضافة إلى غياب وزير الخارجية التونسي عن اللقاء في ظل حضور كيري، وقال "إن السبسي ذهب لأمريكا وطلب مساعدتها وكأنها المخلص الوحيد، كما لم يكن عليه وصف تونس بالشكل الذي فعله كما لو كانت في الحضيض، وكان لا بد من مراعاة مبادئ الثورة التونسية.. كان لا بد من استشارة الجيران كالجزائر مثلا قبل الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية بحكم المصير والمصالح المشتركة.
وخلاصة القول: رغم أن الزيارة التي قام بها الباجي قائد السبسي لأمريكا خالية بصفة شبه كلية من أي معطى سياسي ملموس غير أنها تضمنت جملة من الرسائل المبثوثة والتفاصيل المهمة؛ فقد تضمن خطاب السبسي تلميحا بأن تونس خادم مطيع لأمريكا في أي أمر تحتاجها فيه - الملف الليبي - كما تحدث بأسلوب غريب عن الإسلاميين أثار نقاط استفهام عديدة حين وصفهم بأنهم يستعملون الدين للوصول إلى الحكم وأنهم يستعملون العنف لتحقيق مآربهم.
وقد أثار تصريحه الكثير من نقاط الاستفهام وصنف أنه خطأ أو هفوة أو زلة لسان، ولكن يمكن أن يكون هذا التصريح رسالة ضمنية لتأييد السياسة الأمريكية في مصر أو هو تمهيد لظهور نوع جديد من الإرهاب في تونس أكثر تنظيما ويستهدف الحكم بصفة مباشرة عن طريق الفوضى والعنف والقتل، خاصة وأن مقالا مشتركا للباجي وأوباما نشرته الصفحة الرسمية للسفارة الأمريكية بتونس أبرز ما جاء فيه "الأيام العصيبة التي ستمر بها تونس" على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى مكافحة الإرهاب.
رأيك في الموضوع