تعمل أمريكا على إحاطة روسيا بحزام من الحرائق الجانبية بغية إرهاقها وإغراقها في المزيد من المستنقعات السياسية التي تستنزف طاقاتها، ومن أجل تبديد قوتها، وتخفيض منزلتها، وذلك لحملها على الخضوع للمزيد من هيمنة أمريكا، ولجعلها دولة إقليمية خادمة لمصالحها.
فأمريكا وبعد إغراق روسيا في حرب استنزاف طويلة مرهقة في أوكرانيا، أُجبرت روسيا معها على اللجوء إلى اتخاذ إجراء ممقوت جماهيرياً، وهو قرار التعبئة الجزئية لتجنيد 300 ألف جندي إضافي لمنع تدهور المنظومة العسكرية المتهالكة للجيش الروسي المنهك بسبب الحرب في أوكرانيا، فأمريكا تُريد بعد هذا الإغراق أنْ تُشغل روسيا أيضاً في معالجة حروب جانبية مفتعلة لزيادة إرهاقها، وأخذ مناطق نفوذها منها.
فأذربيجان وبدعم تركي وغطاء أمريكي أشعلت فتيل حرب جديدة مع أرمينيا بعد احتواء روسيا لها العام الماضي، وجاءت نانسي بيلوسي أواسط شهر أيلول الجاري إلى يريفان العاصمة الأرمينية لتحرض الأرمن على الأذريين، ولتطلق من هناك تصريحات استفزازية ضد الأتراك بسبب مذابح الأرمن المزعومة قبل أكثر من مائة عام.
فأمريكا من جهة وتركيا من جهة أخرى تقومان بدقّ طبول الحرب بين الدولتين، وتثيران غبارها كلما انطفأت، وتلقيان على روسيا مهمة رجل الإطفاء الشاقة.
وتحرج أرمينيا روسيا بطلبها الدفاع عنها أمام ما تسميه بالعدوان الأذري عليها وفقاً لاتفاقية الدفاع المشترك بينهما، فترفض روسيا الطلب وتكتفي بالتأكيد على تثبيت وقف الهدنة الهش السابق بين البلدين بالطرق السلمية، بينما ترفض التدخل العسكري للدفاع عن أرمينيا لعجزها في هذه الظروف الحالكة عن القيام بذلك.
ثمّ يقوم وزير خارجية أمريكا بلينكن بجمع وزيري خارجيتي أرمينيا وأذربيجان على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، ويقوم بتمثيل دور المصلح بين الطرفين، بينما هو في الواقع يصب الزيت على النار، ويشعل أوار الحرب بينهما.
وثمة حريق آخر تم إشعاله حول روسيا في آسيا الوسطى وهو وقوع اشتباكات عنيفة بين قرغيزيا وطاجيكستان بسبب خلافات حدودية قديمة ومعروفة في وادي فرغانة لم تتمكّن روسيا من حلّها حلاً جذرياً وسقط فيها عشرات القتلى من الطرفين.
ولا شك أنّ لأمريكا أصابع في هذه الاشتباكات المفاجئة في هذا التوقيت بالذات، فهي لا تفتأ تتصل بقيادتي الدولتين من وراء ظهر روسيا، وتطلب منهما بإلحاح بناء قواعد عسكرية أمريكية على أراضيهما بعد خروجها من أفغانستان.
وعجزت قمّة شنغهاي التي تقودها روسيا والصين والتي عُقدت في مدينة سمرقند في أوزبيكستان عن وضع أي تصور لحل أية مشكلة حقيقية، وكانت فقط منبراً للخطابات الجوفاء عن التعددية القطبية، بينما أخفقت في الاتفاق على أي حل عملي يتعلق بالنزاعات المستجدة.
وهكذا تعبث أمريكا بالدول التي تتعاون معها، ولا تلقي بالاً إلا لمصالحها، ولن تجد من يردعها في هذا العالم، ويقطع أطرافها، إلا دولة الإسلام القائمة قريبا بإذن الله والتي ستضع حداً لعنجهيتها وعبثيتها.
رأيك في الموضوع