نقلت وكالة رويترز، عن أربعة مصادر أن رئيس المخابرات التركية حقان فيدان عقد في دمشق اجتماعات عدة مع نظيره السوري علي مملوك خلال الأسابيع القليلة الماضية. وقالت مصادر الوكالة: "إن فيدان ومملوك التقيا مؤخرا هذا الأسبوع في العاصمة السورية، وإن الاتصالات التركية السورية أحرزت الكثير من التقدم، دون الخوض في تفاصيل". فيما قالت صحيفة صباح التركية المقربة من الحكومة، "إن حقان ناقش مع علي مملوك في دمشق، خارطة طريق للعودة الآمنة للسوريين"، وأضافت الصحيفة "أن تركيا ربطت انسحابها بالعودة الآمنة للاجئين واستكمال العملية الدستورية وإجراء انتخابات حرة وتجديد اتفاقية أضنة بشأن مكافحة الإرهاب".
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قد أبدى حرصه الشديد على النظام السوري وانتقد مطالباته الداعية إلى انسحاب القوات التركية من الشمال السوري، على اعتبار أن الانسحاب يضر بتركيا والنظام السوري على حد سواء. وجاء ذلك ضمن لقاء جمع أوغلو، بمراسلي الدبلوماسية في الوزارة. واعتبره طرحاً "غير واقعي". وقال أوغلو: "إذا انسحبنا من تلك الأراضي اليوم فلن يحكمها النظام، وستهيمن عليها التنظيمات الإرهابية، هذا الأمر خطر علينا، وخطر على النظام أيضاً، يعني أنهُ خطر على سوريا كلها". وأوضح أوغلو أنه "تناول هذه القضية خلال لقائه مع وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، في العاصمة الصربية بلغراد في تشرين الأول من العام الماضي". وأشار أوغلو خلال رده على أسئلة أحد المراسلين إلى أن "النظام الأسدي سمح لـ"إرهابيين" من المناطق التي كان يحاصرها سابقاً بالذهاب إلى إدلب".
اعتبار أهلنا في الشام ممن هجّرهم النظام الدموي إلى إدلب إرهابيين هو آخر ما أتحفتنا به قريحة المسؤولين في النظام التركي، وكشف عما يدور في رؤوسهم في المرحلة المقبلة بشأن الثوار الأحرار، وعن الأعمال الدنيئة التي سيقوم بها النظام التركي للوصول إلى إنهاء ثورة الشام والقضاء على ثوارها، وإعادة تعويم النظام المجرم في سوريا، وهذا بالتحديد ليس مستغرباً على النظام التركي الذي كان خادماً وفياً للقرار الأمريكي بمواجهة الثورة ومنع وصولها لأهدافها في إسقاط النظام.
خطوات تطبيع النظام التركي مع النظام السوري المتسارعة والمتلاحقة؛ أمنياً وسياسياً، والتي أصبحت مكشوفة وعلنية، تؤكد على دور النظام التركي الوظيفي في المواجهة الناعمة لثورة أهل الشام والتي تستهدف إعادتهم إلى أحضان النظام رغبةً أو كرهاً، بينما تقوم الحكومات والفصائل بتنفيذ دورهم بزيادة التضييق على أهلنا في الشمال المحرر؛ تجويعاً عبر فرض الضرائب والمكوس وتبذير إمكانيات الثورة، وإرهاباً بالسجون والمعتقلات لكل حرٍ رافضٍ لمصالحة نظام طاغية الشام وللموافقة على العودة "الطوعية" ليس من تركيا وحسب، بل العودة للنظام وإعلان التوبة وطلب المغفرة منه! وهذا بإذن الله لن يكون وسيكون للثورة رأي آخر تسمع به الدنيا.
حقائق دامغة لا تحتاج لتفسير ويجب على الأمة ألا تتفاجأ من هذه المواقف التركية الأخيرة، بل هي خير كبير للثورة وثوارها بعد أن نزع النظام التركي قناعه الأخير؛ وهي واضحة من البداية لأصحاب الألباب، ومعلوم بأنه سيأتي الوقت الذي تخرج هذه الأعمال السياسية بين الضامن والداعم التركي وبين النظام السوري المجرم إلى العلن، لأن العداء بين هذه الأنظمة هو ضمن المسموح دولياً لتمرير المؤامرات على الشعوب التي تسعى لاسترداد قرارها وسلطانها كما هو الحال في ثورة الشام التي خرج أهلها ينشدون التحرر من حالة الاستبداد والاستعباد التي فرضها عليهم النظام العميل.
لقد ورّطت أمريكا تركيا بالتدخل في سوريا لحماية عميلها من السقوط، بعد فشل إيران وروسيا في كسر شوكة أهل الشام والقضاء على ثورتهم، رغم الدعم المفتوح للمليشيات والعصابات المستوردة، وكان الدور التركي أخطر الأدوار الخارجية المؤثرة على خط سير ثورة الشام، من حيث وثوق أهلها به وبادعاءاته الكاذبة في نصرة أهل الشام ومساعدتهم على إسقاط النظام.
كنا ولا زلنا نحذر منذ انطلاق الثورة المباركة في الشام من الدور المريب للنظام التركي لمعرفتنا السابقة بحقيقته وحقيقة مهمته التي أناطتها أمريكا به في سوريا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن، ما هو العمل بعد انكشاف هذا الدور الذي يطالب صراحة بالمصالحة مع النظام المجرم؟ وما هو دور أهل الشام الصادقين بعد أن أصبح كل شيء واضحا؟ أينتظرون فتح السفارات وتطبيع العلاقات، أم ينتظرون تسليمهم للجلاد بالقوة؟! وهل يستقيم أن تضيع كل هذه التضحيات التي قدموها على مدار أكثر من عشر سنوات من أجل أن ينفّذ النظام التركي مهمته الأمريكية في إجهاض ثورتهم؟!
لقد انطلقت ثورة الشام شعبيةً وحققت الانتصارات وكادت تسقط النظام المجرم، وحاولت الدول جميعها بالمقابل احتواءها وتصنيع رأس لها يخدم مخططات الدول المتآمرة ويحقق مصالحها، فتم صرف الأموال الهائلة لشراء الذمم لحرف الثورة عن تحقيق أهدافها باستعادة الأمة لسلطانها المغتصب وقرارها المسلوب، فكانت ثورة الشام المعبّر الفعلي عن تطلعات الأمة الإسلامية نحو التحرر من الهيمنة الغربية على بلادنا، فكان لا بد لأهل الشام من العمل على استعادة سلطانهم بدايةً، عبر الخروج بمواقف مشرفة تقول للنظام التركي إننا أصحاب القضية ونحن أصحاب القرار ولن نصالح الطاغية المجرم، وأننا خرجنا لإسقاط نظامه بكل أركانه ورموزه ودستوره، ومن ثم متابعة التحرك على المستوى الشعبي بكل أشكاله لتأكيد انتزاع القرار السياسي للثورة من النظام التركي.
لذلك فإن الواجب علينا أن نصحح ما وقعنا به من أخطاء، ومنها قبول القيادات السياسية التي صنعتها دوائر المخابرات الدولية وتم سوقها لبيع التضحيات التي قدمها أهل الشام.
وهذا لن يكون إلا باتخاذ خطوات عملية للقضاء على دور المتآمرين والمتسلقين والمتخاذلين الذين يعملون لتمرير المؤامرات الخارجية وتنفيذها على الأرض، فالخروج الطيب لأهلنا يوم الثاني عشر من آب رداً على تصريحات جاويش أوغلو حول المصالحة مع النظام وما تلاها من حراكات ومظاهرات يجب ألا تتوقف، بل يجب أن تتطور وتتبلور، وهذا لن يكون إلا باتباع قيادة سياسية واعية وصادقة ومخلصة لثورة أهل الشام بعيداً عن كل ما صنعته الدول من تكتلات ومنصات سياسية تدّعي تمثيل الثورة السورية أو جزء منها لأنها في حقيقتها لا تمثل أهل الشام بل تمثل مصالح أعدائها الذين يسعون لتركيعها للإرادة الدولية وإيقاف عملية التغيير الحقيقي الذي بدأه أهل الشام.
إن انتصار ثورة الشام المباركة ليس مرتبطاً فقط بالقوة العسكرية، ففي معركة الحق والباطل ليست القيمة لحجم القوة المادية فقط، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾، أي ما وقع بيدنا من قوة سياسية وفكرية وثقافية ولاحقاً من قوة عسكرية مباركة مرتبطة بالله وحده تقاتل في سبيله وتبتغي رضوانه؛ الذي لا يتحقق إلا بالتجرد التام له في تحقيق ما يريد منا من تحقيق كامل العبودية له، والتي لن تتحقق إلا عندما يكون الدين كله لله، أي بإقامة نظامه العادل في الأرض مرة أخرى بعد أن زال من واقع الحياة بسقوط الخلافة.
إن انتصار ثورة الشام المباركة ليس بإسقاط النظام العلماني واستبدال نظام علماني آخر به وليس بإسقاط طاغية عميل واستبدال طاغية آخر به؛ وإنما بإسقاط النظام العلماني بكافة أركانه ورموزه ودستوره، وإقامة نظام الإسلام بكافة أركانه ورجال دولته ودستوره المستمد من وحي الله سبحانه وتعالى في الكتاب والسنة، وعلى ذلك يجب علينا نحن أهل الشام التوبة والعودة إلى الله سبحانه ناصر المستضعفين والصاحب الوحيد للنصر ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ الذي ينزله على عباده المتقين الذين يبتغون الفوز في الدنيا والآخرة وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع