ذكرت صحيفة الصيحة الصادرة في 29/07/2022م، أن ولاية غرب دارفور، تشهد حدثاً فريداً بمدينة الجنينة يومي 30 و31 تموز/يوليو 2022م، للتأكيد على تعافيها من الصراعات القبلية والإثنية التي أدت إلى إزهاق أرواح عزيزة، وخلّفت نزوحاً ولجوءاً للناس وتعطلت مسيرة التنمية. وكان لزيارة نائب رئيس مجلس السيادة الأثر الكبير في حلحلة الكثير من القضايا والمشكلات التي عانت منها الولاية.
واكتملت الاستعدادات كافة، لاستقبال الحدث الكبير تحت شعار "الجنينة تتعافى"، بمشاركة فرق رياضية والمجموعات الثقافية والفنية، ومجموعة من المطربين، وحضور إعلامي كبير من الفضائيات والإذاعات وممثلي الصحف الورقية والإلكترونية، وذلك في إطار الاحتفال بالسلام والاستقرار الذي افتقدته الولاية، وكثّفت اللجان المتخصصة للاحتفال، اجتماعاتها لوضع اللمسات الأخيرة لهذا الحفل الكبير.
انزلقت دارفور في قتال الفتنة منذ زمن بعيد إلا أن الاقتتال يتجدد ويأخذ أشكالاً مختلفة من حيث طبيعة ونوعية الجرائم التي حدثت وتحدث في إقليم دارفور؛ والتي أخذت صعيداً عرقياً قَبَلياً، حيث وضعت القبائل ذات الأصول العربية في مواجهة القبائل ذات الأصول الأفريقية، ومهما يكن من حجم تلك المواجهة إلا أنَّ المجازر التي صاحبتها تشير بقدر كبير من الشكوك حول طبيعة الصراع والأهداف المخفية وراءها! بحيث يصعب على المؤمن الكيس أن ينسبها فقط إلى مجرد منازعات حول المراعي أو مصادر المياه، أو مناجم تعدين الذهب، كما تحاول وكالات الإعلام تصويرها في أمور تحدث بينهم من يوم وجودهم على هذه الأرض، ثم إنَّ تواتر القتل الشنيع والسلب والنهب والتنكيل وتوسعها تدريجياً تعكس حقيقة أكيدة وهي أنَّ هناك استهدافاً يتعدى مجرد النزاعات القبلية البسيطة التي تحدث في أي منطقة ذات تعدد قبلي، إلى الشك في وجود مؤامرة كبرى تستهدف سلخ إقليم دارفور عن الدولة.
وحسب تقرير لرويترز تحت عنوان "حمى الذهب تؤجج الصراع في دارفور" قال دبلوماسيون غربيون وشيوخ قبائل ومسؤولون في قوات حفظ السلام الدولية في دارفور إن الحكومة تقوم بإدارة صراع السيطرة على مناجم الذهب لمصلحة البنك المركزي وهو أحد أسباب تحرك مسؤولي الحكومة لتشجيع قبيلة الرزيقات على كسر سطوة قبيلة بني حسين على منجم جبل عامر. وقال دبلوماسي غربي "أرادوا من قبيلة الرزيقات تغيير الوضع قليلا حتى يذهب بعض الذهب على الأقل إلى البنك المركزي". واستخدمت حكومة البشير قبيلة الرزيقات في الماضي حين أصبحت القبيلة قوام مليشيات الجنجويد التي سلحتها الحكومة وأطلقت أيديها لإخماد التمرد عام 2003 وفقا لما تقوله جماعات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش.
هذا الواقع المثقل بهذه الجراحات العميقة لن يمحو آثاره مهرجانات يختلط فيها الناس للعبث واللهو والغناء لأن مقصود الولاية والسلطة هو إصلاح أديان الناس، والقيام على مصالحهم، والسهر لأجل راحتهم، وسماع أصوات المصلحين وليس إقامة مهرجانات اللهو والعبث التي تدعي الحكومات أنها تصهر بين الناس وتعزز السلام، فيكفي استخفافاً بعقول الناس!
إن خليفة المسلمين، ولأنه يحكم بالإسلام بوصفه أحكاماً شرعية تمنع أي حرب بين المسلمين، يعالج جذور الصراع، وصهر الناس في بوتقة الإسلام هو الكفيل بنزع فتيل النزاعات وجعل المسلمين إخوة متحابين في الله يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
قال الإمام الماوردي رحمه الله: "الْإِمَامَةُ خلافة النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا"، كما قال ابن عبد البر في التمهيد: من واجبات الإمام "تؤمن به السبل وينتصف به المظلوم ويجاهد عن الأمة عدوها ويقسم بينها فيأها لأن الاختلاف والفرقة هلكة والجماعة نجاة". هذا الإمام (الخليفة) هو الذي يعالج مشاكل الناس علاجا قطعياً في مثل الصراعات التي تدور في البلد. إن الأولى هو دفع الديات المستحقة بدلا من بذلها في مهرجانات لن تقدم شيئاً سوى الاختلاط والخلاعة التي تبدو ماثلة في زي الفنانات المشاركات! إن خليفة المسلمين لن يبيع الناس الخداع بل يطهر المجتمع من كل جاهلية بغيضة بإقامة شرع الله. واعلموا أن الإسلام هو المستهدف من وراء ذلك كله، وما كان ذلك ليقع لولا ضعف المناعة لدى الشعوب التي ابتعدت عن عقيدتها وتشريع دينها العظيم، الذي يجعلهم في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد، كما يجعل منهم بناءً مرصوصاً يشد بعضه بعضاً، وإلى جانب ذلك يمنحهم قوة الممانعة والمقاومة. وهذا البعد عن الدين جاء مقروناً بابتلاء الأمة بأنظمة وحكومات عماد سياستها الاستبداد والطغيان، ونشر الظلم والفساد وبذل الأموال لذلك.
أما حكام اليوم فيجعلون من اللهو والعبث علاجاً، وهو الداء، لأن المشاركين في المهرجان سيشجعون الناس بأعمالهم الفنية وبأغانيهم الوطنية إلى الخروج من عنصريتهم القبلية، التي تميز بعضهم عن بعض إلى عنصرية أكبر؛ وهي عنصرية (الوطن) التي تميز السودانيين عن غيرهم، وهكذا يسقطون من سقطة إلى أخرى لانعدام وجهة نظر الإسلام لعلاج مشاكل الناس.
سيظل العدو يحرض على القتال بين المسلمين في دارفور وغيرها عبر مدهم بالسلاح والمال وكل أسباب الفرقة، وهذا ليس أمراً جديداً، بل سوف يستمر ولن يزول عن حياتنا إلا أن نحكم بالإسلام، ففي صدر الإسلام غاظت يهود ألفة الأوس والخزرج بعد طول اقتتال وحروب، فقام شيطانهم شَاس بْنُ قَيْسٍ، الذي مرَّ على الأوس والخزرج، فغاظه مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الإسلام، بَعْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَقَالَ: وَاَللّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ. فَأَمَرَ فَتًى شَابّا مِنْ يَهُودَ أن يجْلِسَ مَعَهُمْ، ويذكرهم بيَوْم بُعَاث، الذي اقتتل فِيهِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَفَعَلَ. فَتَكَلّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وتنادوا: السّلاحَ السّلاحَ.. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ ﷺ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللّهَ اللّهَ، أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللّهُ لِلإسلام، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وَأَلّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟!»، فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنّهَا نَزْغَةٌ مِنَ الشّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوّهِمْ، فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرّجَالُ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، ثُمّ انْصَرَفُوا...
هكذا تعالج النزاعات بقطع العلاقة بالجاهلية وليس الانغماس فيها!
رأيك في الموضوع