يصادف هذا العام 2021م الموافق للعام 1442هـ، مرور مائة سنة على هدم الخلافة على يد مجرم العصر مصطفى كمال، ولعلها تكون رأس المائة التي يبعث الله عز وجل فيها من يجدد لها دينها، وأيُّ تجديد سيكون أعظم وأجمل من أن يقوم الكيان السياسي التنفيذي، الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فترى رايات الإسلام خفاقة، وبشارات الرسول ﷺ محققة، وأراضي المسلمين المحتلة والمغتصبة محررة من رجس الغرب الكافر المستعمر وأزلامه وأتباعه.
لقد حَملتُ الدعوة مع حزب التحرير منذ العام 1989م، تعرفت على الحزب بين لبنان وسوريا، وها هي تمر الأعوام، ونحن اليوم في العام 2021م، 32 عاماً منذ حَملتُ هذه الدعوة، وفكرة الخلافة هي الهدف، والصراع الفكري والكفاح السياسي والعمل لاستلام الحكم عن طريق طلب النصرة هي الطريقة؛ في أول علاقتي بالحزب كنت إذا ناقشت أحداً وأتى بحججه، سألته عن الدليل، فيكون السؤال "هل أنت من حزب التحرير؟" وكلما ذكرت الخلافة في أي مجلس كان التعليق الأول "أنت من حزب التحرير".
كنت أستغرب وأقول في نفسي: وهل حزب التحرير هو الوحيد الذي يملك الأدلة؟! وهل حزب التحرير مع وجود كل هذه الحركات الإسلامية هو الوحيد العامل لإقامة الخلافة؟!
بعد هنيهة من الزمن، والدراسة مع الحزب، والتعمق في فهم أفكاره، والانغماس في عمله، والاطلاع على الأدبيات والثقافة الإسلامية التي كان وما زال حزب التحرير يُوصي كل عامل معه بالاستزادة منها، بعد أن ينال حظه من ثقافة الحزب الإسلامية، ومتابعة أعمال الحركات الأخرى، الحقيقة أني كنت أقارن لعلي أجد استدلالاً أقوى ومنهجاً آخر، لا لشيء، إلا أنني صرت باحثاً عن الذي يرضي ربي عز وجل، لكن من علمني ذلك، النظر في الأدلة، والنظر في الأفكار ومقارنتها بالسلوك العملي، إنه حزب التحرير.
رحلة التعمق والبحث تلك ما لبثت أن توقفت، فقد تراءت دولة الخلافة أمامي بنظام حكمها، ونظامها الاقتصادي، ونظامها الاجتماعي، وسياسة تعليمها، وأجهزتها في الحكم والإدارة، ونظام عقوباتها، ونظرتها ومفاهيمها السياسية، عِلاوةً على إجابات دقيقة سياسية وفكرية وفقهية، لا تبني حفظةً ولكن تبني عقليات مؤسسة على الفهم الدقيق للأدلة، ونفسيات تنقاد للأحكام الشرعية تسليماً ودون حرج، لتشكل الشخصية الإسلامية التي يجب أن تكون كمثل من استحقوا الخلافة الأولى على منهاج النبوة.
والأعجب من كل ذلك مشروع ومقدمة للدستور من 191 مادة دستوريةً بأدلتها التفصيلية. إنهما القرآن والسنة اللذان أقاما دولة النبي ﷺ الأولى، ثم استمرا في الخلافة الراشدة الأولى على منهاج النبوة على أيدي المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم؛ إنهما القرآن والسنة وقد تشكلا اليوم كُتباً وأفكاراً ومفاهيم لبنيان دولةٍ إسلاميةٍ في عصر الرأسمالية الآيلة للسقوط والشيوعية التي سقطت.
حين تتجول في مشروع الدستور أو مقدمة الدستور، تعيش الدولة الإسلامية حقيقةً لا خيالاً، وعملياً لا نظرياً، تعيش الخليفة وبيعته، والمعاونين للخليفة؛ وتلمس أجهزة الدولة؛ تعيش العلاقات الدولية؛ وساحات الجيش والجند ودائرة الأمن الداخلي ودائرة الحربية؛ ترى الصناعة لما لها من أهمية في قيام الدول وقد رُسمت سياساتها،؛ وترى معاوني الخارجية توفدهم دائرة الخارجية في أصقاع الأرض دعاة ورجال دولة، وفق سياسة خارجية مبوبة تنظم علاقة الدولة الإسلامية بكل الدول؛ ترى مجالس القضاء وقد انتصب قضاتها على مختلف أعمالهم، من قاضي الحسبة بين التجار وفي الأسواق...، إلى قاضي المظالم بين الرعية والحكام؛ ترى خزانة الدولة؛ بيت المال، وموارده ونفقاته، وفق نظام اقتصادي يُشعرك بإنسانية وعالمية هذا الدين؛ حتى الإعلام أداة العصر لم يغفل عنها حزب التحرير صاحب مشروع الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فرسم لها دائرةً إعلاميةً تتولى وضع السياسة الإعلامية للدولة لبناء مجتمع إسلامي متماسك في الداخل، وفي الخارج لعرض الإسلام في السلم والحرب عرضاً يبين عظمة الإسلام وعدله وقوة جنده، ويبين فساد النظام الوضعي وظلمه وهزال جنده؛ وتلمس علاقة الرجل بالمرأة في الإسلام في تبويبٍ يُظهر ما للمرأة من حقوق وما عليها من واجبات في أيام ساد فيها الهرج؛ يجعلك الكتاب تدخل ردهات مجلس الأمة (مجلس الشورى والمحاسبة) في نظام فريد مُحكم لتمثيل الأمة؛ ولبناء جيل يحمل الإسلام وفق ثقافة إسلامية نقية واضحة مبلورة ارتسمت سياسة التعليم التي تعلم الإنسان ما يلزمه في معترك الحياة كفرض على الدولة، لكل فرد ذكرا كان أو أنثى مجانا وفق أسس تعليم منهجي واضحة، مع توفير المكتبات والمختبرات حتى في خارج المدارس والجامعات لتمكين كل باحث من البحث، لإيجاد حشد من المجتهدين والمبدعين والمخترعين.
كل هذا وغيره من التفاصيل سطرها حزب التحرير فيما يزيد على 550 صفحةً، لكن ليس مجرد كلمات منمقات، بل بيان واضح بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس، ليكون بحق دستورا إسلاميا، أي أحكاما شرعية، تجعل العمل به فرضا على المسلمين.
أنْ تملك كل هذا يعني شيئاً واحدا فقط، يعني العمل والجد والبذل، حتى نكون في الموضع الذي يحب الله سبحانه أن يرانا فيه، فنكون أهلاً لتنزل النصر علينا وعلى الأمة ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
إنهنَّ قرابة الثمانية والستينَ عاما من العمل السياسي الدؤوب، وحزب التحرير، بوصفه حزبا سياسيا، ما زال يحمل هذه الدعوة، بثبات وعلى بصيرة من الأمر، نظريا وعمليا، في الوقت الذي تنكب فيه الكثيرون عمليا عن هذا الطريق، وإن سطروه في أدبيات وكتابات.
نعم بهذا كله، يكون حزب التحرير والخلافة، والخلافة وحزب التحرير، صنوان لا يفترقان، بل توأمان من رحم واحدة هي الإسلام، كتابه وسنته، ويكون حزب التحرير بإذن الله صادقاً في غايته، فقد سطر لها كل ما يلزمها، وكان وما زال يبذل الوسع واصلاً ليله بنهاره حتى يستجيب له أهل نصرةٍ يكونون كالأنصار الأوائل، فيستحق حزب التحرير بحول الله تعالى قوله سبحانه: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيم * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ﴾.
وإنها رأس المائة عام فعسى الله أن يكون حزب التحرير وأميره العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة (أبو ياسين)، الذي يسير على خط من سبقاه رحمهما الله الأمير المؤسس الشيخ تقي الدين النبهاني (أبو إبراهيم)، ومن خَلَفَهُ من بعده الأمير الشيخ عبد القديم زلوم (أبو يوسف)، يكونوا ممن كتب الله تعالى لهم أن يجددوا دينه ويقيموا شرعه ودولته.
رأيك في الموضوع