يحيي أهل تونس هذه الأيام ذكرى مرور عشر سنوات على ثورتهم التي انطلقت ضد الظلم الاقتصادي، والفقر والبطالة وتدني الأجور والتضخم، وضد الاستبداد السياسي، وكبت الأنفاس، والقهر والسجون، وضد الخيانة والارتباط بالأجنبي، وتمكينه من الثروات الباطنة والظاهرة، وضد التهميش والفوقية والطبقية المقيتة، وتدني مستوى الخدمات؛ التعليمية والصحية والرعوية. فهل حققت هذه الثورة أهدافها؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال نقول بأن الإنسان بطبعه يكره الظلم والاستبداد بكافة أشكاله وألوانه، ويعمل لإزالتهما. وقد حدثت ثورات عديدة على وجه الأرض للخلاص منهما سواء أكان ذلك في بلاد المسلمين، أم في غيرها. وكان من أشهرها ثورة المفكرين والعلماء في أوروبا ضد ظلم الكنيسة ورجال الدين فيما سمي بالعصور الوسطى. وكذلك الثورة الأمريكية ضد العبودية؛ والتي بدأت بالحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وانتهت بقرار الرئيس لنكولن تحرير العبيد سنة 1862. والثورات التي حصلت ضد الاستعمار الغربي في بدايات القرن الماضي وأواسطه في بلاد المسلمين. وأيضا هذه الثورات العريضة الواسعة التي اندلعت في بلاد المسلمين منذ عشر سنوات وبدأت شرارتها من تونس الخضراء سنة 2011.
لقد حققت الثورة بعض أهدافها، ولكنها لم تحقق الهدف الرئيس؛ وهو التحرر من الظلم السياسي، وخاصة من تلك الزمرة المتحكمة برقاب الناس. فممّا حققته الثورة: أنها نزعت الخوف من قلوب الناس من الحكام، وكذلك أوجدت الوعي العام على الظلم وأسبابه عند أغلب أهل تونس، وعززت نظرة الناس إلى دينهم وأنه النظام القادر على جلب العدالة، وتغيير الواقع تغييرا صحيحا. إلا أن الثورة رغم قوة تأثيرها، واتساع مساحتها قد ضُلّلت وحرفت عن مسارها الصحيح؛ وقد بذلت في سبيل ذلك جهود جبارة منها:
1- الأحزاب السياسية المشاركة للحكومة داخل البرلمان والتي صنعت سياجا حول الفساد والظلم، ولم تعمل على تغيير أي من ألوان الفساد القائمة؛ ومنها للأسف حركة النهضة التي ضلّلت الناس باسم الدين سنوات طويلة.
2- سياسة القمع التي يمارسها النظام ضد شباب حزب التحرير وغيره من المخلصين ممن رفضوا المشاركة في السلطة لفساد الحكومات، ورفضوا ما تفعله الحكومات المتتابعة في تونس؛ لحرف الناس عن دينهم وشريعتهم.
3- التشريعات والقوانين الجديدة البعيدة عن الشرع الإسلامي؛ والتي جلبوا لها الفتاوى من المضللين المنتفعين؛ ممن شاركوا الحكومات في فسادها فشرعوا للباس الفضح، وأضفوا على أعمال هذه الحكومات الصبغة الشرعية افتراء على الله.
4- سياسة تغيير الوجوه دون أي تغيير في الواقع؛ ومن ذلك تغيير الرئيس والبرلمانات المتعاقبة عبر عدة انتخابات شكلية، فأشغلوا الناس في أعمال بعيدة عن التغيير الجذري الصحيح الذي يعالج صلب الفساد وقواعده العريضة داخل تونس.
5- افتعال المشاكل وخاصة سياسة الاغتيالات السياسية التي تقوم بها أجهزة المخابرات بأمر الحكومات، وأشغلوا الناس بأمور داخلية فيما بينهم ليصرفوهم عن أس الداء وسبب البلاء.
6- سياسة القروض الربوية، وربط اقتصاد البلد بالمنظمات الاستعمارية الدولية؛ مثل صندوق النقد الدولي، وبالتالي فتح البلاد للأجنبي لاستغلال الثروات، وتمكينه من فرض سياساته الاستعمارية التي تحول دون وصول المخلصين إلى قيادة الناس، وتغيير الواقع.
7- تسليط الضوء على الأشخاص عند حدوث الاحتجاجات؛ مثل الوزراء أو أعضاء البرلمانات، ونقل ساحة الصراع إلى البرلمان؛ بدل أن يكون ضد الأفكار والتشريعات التي تحكم تونس، وتتسبب بهذه الكوارث الكبيرة.
هذه الأسباب وغيرها قد ضللت الرأي العام عن الحقائق، وحرفت مسار الثورة عن خطه الصحيح؛ وهو تغيير النظام فكريا وعمليا. وإن إعادة الثورة إلى مسارها الصحيح يجب أولا: أن يبدأ من الوعي على أسباب البلاء، وليس على أعراضه، وأن يدرك أهل تونس من هو المتسبب بهذا الفساد، ومن هم المتآمرون على الثورة، ومن هي الأيدي الخفية وراءهم. ويجب كذلك أن يكشف اللثام عمن يتمسحون بالإسلام بطريقة مضللة، تشكل سياجاً على الظلم والظالمين، وتبعد الناس عن النبع الصافي؛ وهو الحكم الحقيقي الصحيح بما أنزل الله.
وفي الختام نقول: إن تونس هي بلد إسلامي، لها تاريخ عريق في خدمة الإسلام؛ فقد كانت شرارة التغيير في الشمال الأفريقي في عهد القادة العظام؛ أمثال عقبة بن نافع موحد الشمال الأفريقي، وموسى بن نصير وقائده طارق بن زياد فاتح الأندلس، ويوسف بن تاشفين مجدد تاريخ الأندلس ضد حروب الاسترداد. وكانت كذلك قبلة العلم والعلماء في القيروان والزيتونة لسنوات طويلة. وهي أيضا المحرك الذي حرك الشعوب الإسلامية؛ في هذه الثورة المباركة التي أحدثت تغييرا منقطع النظير في النفوس والعقول، وترنو إلى التغيير الحقيقي على أساس الإسلام.
فمن الواجب على هذا البلد أن يعيد القطار إلى سكته الصحيحة؛ ليصل إلى هدفه السامي النبيل، أي أن الواجب الأول هو التفاف أهل تونس الخضراء حول المشروع الإسلامي. وكذلك الالتفاف حول المخلصين من أبنائهم، وأن يتركوا تلك الفئات الضالة المضلة؛ سواء من كان منها في البرلمان أم خارجه.
وأخيرا نسأله تعالى أن يكرم أهل تونس الخضراء؛ بتاريخ أخضر تحت راية قادة عظام، فتعود تونس مركزا لتوحيد أمة الإسلام من جديد؛ كما وحدتها من قبل. اللهم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رأيك في الموضوع