إن أبرز نموذج في خطط الغرب الاستعماري للسيطرة على شعوب الأرض هو نموذج هدم الخلافة العثمانية، حيث عمل على صناعة العملاء والجواسيس من بعض الذين ذهبوا للدراسة أو العمل في بلاده، وكذلك من خلال اختراق مؤسسات الدولة عبر بعض الضباط والسياسيين النافذين في الحكم، وكان من أبرز هذه النماذج مصطفى كمال الذي هدم الخلافة وألغى نظامها وأعلن الجمهورية التركية العلمانية، وكذلك الشريف حسين بن علي الذي قاد الثورة العربية الكبرى متعاملا مع الإنجليز لهدم الخلافة على أمل الوعود التي منَّوه بها بأن يصبح هو خليفة المسلمين وخدعوه بأن الخلافة حق للعرب وليس للترك.
استخدم الغرب العملاء والجواسيس في تمزيق لحمة شعوب الخلافة من مسلمين وغير مسلمين بنشر فكرة القومية والوطنية مما أضعف الدول التي كانت تعيش فيها عرقيات وإثنيات متعددة في أمن وسلام وتم تمزيقها إلى دويلات هزيلة نصب عليها الغرب حكاما عملاء.
استمر الغرب وعلى رأسه الاستعمار الأوروبي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في طريقة التحكم بالشعوب عبر تقسيم البلدان الكبيرة إلى دويلات صغيرة يحكمها حكام عملاء مرتبطون بالاحتلال بشكل سري مما أوجد في البلاد الإسلامية أكثر من خمسين دويلة، وكانت عمالة الحكام للغرب بشكل سري وخادع، بل قد جعلهم أبطالا في عيون الناس بأن اصطنع الهزائم والانسحابات أمامهم فتسلقوا الثورات وتزعموها، أيضا بدعم غربي سري ونصبهم حكاما بعد انسحابه العسكري، وبفعل أولئك الحكام بقي الاحتلال السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي لبلاد المسلمين وغيرهم من الشعوب الأخرى.
ثم إنه بعد الحرب العالمية الثانية وخروج أمريكا من عزلتها وتذوقها طعم الغنائم التي أشركتها بريطانيا بها سال لعابها لأخذ مستعمرات الدول الأوروبية فعملت بالطريقة الأوروبية في اصطناع العملاء التابعين لها سواء في الجيوش أو رجال السياسة، وقامت بأخذ بعض الدول من النفوذ البريطاني والفرنسي، ومن أبرز النماذج على هذه الطريقة انقلاب الضباط (الأحرار) في مصر على الملك فاروق عميل الإنجليز وسيطرة جمال عبد الناصر عميل أمريكا على الحكم ثم استمر حكم العسكر لمصر إلى يومنا هذا، وكذلك انقلاب حافظ أسد عميل أمريكا على عملاء الإنجليز في سوريا لتصبح سوريا تابعة للنفوذ الأمريكي بواسطة آل أسد الأب والولد.
إن محاولات أمريكا سحب البساط من تحت أرجل عملاء أوروبا، دفع أوروبا للعمل على أكبر قدر ممكن من المؤثرين في المجتمع من وجهاء وشيوخ عشائر ورؤساء أحزاب ومثقفين لربطهم بها حفاظا على نفوذها، ومنع أمريكا من أخذ تلك الدول منها بالانقلابات العسكرية، مما دفع أمريكا بدورها إلى اللجوء لخطة جديدة وهي التدخل العسكري المباشر بعد اصطناع الحجج كما في لبنان وأفغانستان والعراق والصومال وغيرها من البلاد، واتخذت أمريكا التدخل العسكري المباشر طريقة جديدة لاصطناع أكبر عدد ممكن من العملاء بدل العميل الواحد من الحكام.
ثم جاء الربيع العربي ليسعر الصراع بين أوروبا التي تريد استعادة نفوذها القديم في الدول التي أخذتها أمريكا منها، وبين أمريكا التي تريد الحفاظ على نفوذها في هذه الدول، بل وتريد أن تزيد من نفوذها في البلاد الإسلامية بأخذ مزيد من الدول من أوروبا مما جعل طريقة السيطرة أكثر وحشية ومأساوية انعكست على الشعوب حروبا بينية ودمارا وقتلا وتشريدا واصطناعا للمرتزقة والعملاء.
لذلك لا خلاص لشعوب الأرض المقهورة وفي مقدمتهم الأمة الإسلامية للتخلص من سيطرة الغرب الاستعماري وعلى رأسهم أمريكا إلا بنبذ العلاقة مع الغرب ونبذ عملائه من الحكام والمثقفين والشخصيات المرتبطة به ونبذ العلمانية ومبدئها الرأسمالي، وأخذ الإسلام كمبدأ ونظام للحياة والتوحد عليه والتنقيب عن قيادة سياسية مخلصة وواعية تحمل الإسلام قيادة فكرية وسياسية ومبدأ حضارياً عالمياً تقيم على أساسه دولة الخلافة على منهاج النبوة.
بقلم: الشيخ محمد سعيد العبود (أبو مصعب الشامي)
رأيك في الموضوع