الوعي السياسي لا يعني الوعي على الأوضاع السياسية، أو على الموقف الدولي، أو على الحوادث السياسية، أو تتبع السياسة الدولية، والأعمال السياسية، وإن كان ذلك من مستلزمات كماله. وإنما الوعي السياسي هو النظرة إلى العالم من زاوية خاصة، وهي بالنسبة لنا من زاوية العقيدة الإسلامية، زاوية: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا»، هذا هو الوعي السياسي. فالنظرة إلى العالم من غير زاوية خاصة تعتبر سطحية، وليس وعياً سياسياً. والنظرة إلى المجال المحلي أو المجال الإقليمي تفاهة، وليس وعياً سياسياً، ولا يتم الوعي السياسي إلا إذا توفر له عنصران: أن تكون النظرة إلى العالم كله، وأن تنطلق هذه النظرة من زاوية خاصة محددة، أياً كانت هذه الزاوية، سواء أكانت مبدأ معيناً، أو فكرة معينة، أو مصلحة معينة، أو غير ذلك. هذا من حيث واقع الوعي السياسي كما هو، وبالطبع هو بالنسبة للمسلم من زاوية معينة هي العقيدة الإسلامية. هذا هو الوعي السياسي، وما دام هذا واقعه، فإنه يحتم طبيعياً على السياسي أن يخوض النضال في سبيل تكوين مفهوم معين عن الحياة لدى الإنسان، من حيث هو إنسان، في كل مكان. وتكوين هذا المفهوم هو المسؤولية الأولى التي ألقيت على كاهل الواعي سياسياً، والذي لا ينال الراحة إلا ببذل المشقة في تحملها وأدائها...
والواعي سياسياً يتحتم عليه أن يخوض النضال ضد جميع الاتجاهات التي تناقض اتجاهه، وضد جميع المفاهيم التي تناقض مفاهيمه، في الوقت الذي يخوض فيه النضال لتركيز مفاهيمه، وغرس اتجاهه. فهو يسير في اتجاهين في آن واحد، لا ينفصل أحدهما عن الآخر في النضال قيد شعرة؛ لأنهما شيء واحد، فهو يحطم ويقيم، ويهدم ويبني، يبدد الظلام ويشعل النور، وهو كما قيل: «نار تحرق الفساد، ونور يضيء طريق الهدى»...
أما الطريقة لإيجاد الوعي السياسي في الأفراد، وإيجاده في الأمة، فإنها هي التثقيف السياسي بالمعنى السياسي، سواء أكان تثقيفاً بأفكار الإسلام وأحكامه، أم كان تتبعاً للأحداث السياسية، فيتثقف بأفكار الإسلام وأحكامه، لا باعتبارها نظريات مجردة، بل بتنـزيلها على الوقائع، ويتتبع الأحداث السياسية، لا كتتبع الصحفي ليعرف الأخبار، ولا كتتبع المعلم ليكتسب معلومات، بل بالنظرة إليها من الزاوية الخاصة لإعطائها الحكم الذي يراه، أو ليربطها بغيرها من الأحداث والأفكار، أو يربطها بالواقع الذي يجري أمامه من الأعمال السياسية. فهذا التثقيف السياسي، بالمبدأ وبالسياسة، هو طريقة إيجاد هذا الوعي السياسي في الأمة وفي الأفراد، وهو الذي يجعل الأمة الإسلامية تضطلع بمهمتها الأساسية، ووظيفتها الأصلية، ألا وهي حمل الدعوة إلى العالم، ونشر الهدى بين الناس؛ ولذلك كان التثقيف السياسي هو الطريقة لإيجاد الوعي السياسي، عند الأمة وعند الأفراد. ومن هنا كان لا بد من التثقيف السياسي في الأمة الإسلامية على أوسـع نطاق، فإنه هو الذي يوجد في الأمة الوعي السياسي، ويجعلها تنبت حشداً من السياسيين المبدعين.
عن كتاب مفاهيم سياسية وهو من منشورات حزب التحرير
رأيك في الموضوع