في ظل فقدان البلاد لسيادتها لصالح عدوها، أجريت الانتخابات البرلمانية في العراق يوم السبت 12/5/2018 والتي اتسمت بالفوضى واستخدام السلاح والتزوير المفرط، والتلويح بالحرب الأهلية، وشراء الذمم، ورشي الناس حيث شهدت المراكز في عموم العراق تشديدا أمنيا محكما، مع حظر تجوال للمركبات والحافلات والسيارات الصغيرة، وعزوفاً شديداً على المراكز بسبب الحظر، اضطرّت حكومة العبادي إلى رفع الحظر فورا والسماح للناس بحرية التنقل بسياراتهم بغية المشاركة بالانتخاب، ولكن ماذا حصل في مراكز الانتخابات في المحافظات؟ خروقات انتخابية وتزوير واسع لقوائم معينة، وفشل أجهزة الاقتراع الإلكترونية وتوقفها عن العمل، أو خلو المراكز من أوراق الناخبين وعدم ظهور أسماء الناخبين في مراكزهم، أو تدخل بعض القوائم في عملية الانتخاب والتأثير على الناخب بقوة السلاح، أو حصول اشتباكات مسلحة داخل المراكز بين القوائم المتنافسة، وهكذا جرت بأجواء غير مسبوقة من الصراع والفشل حتى ترقى إلى تسميتها بمهزلة الانتخابات، ومما حصل وكان من أهم نتائج الانتخابات هو حصول اشتباكات مسلحة في أكثر من محافظة، كالذي حصل بين قائمة التغيير والاتحاد الوطني في السليمانية، ومثله جرى في كركوك وخروج مظاهرات لحصول تزوير فظيع من قبل حزب الاتحاد الوطني الذي يتزعمه جلال طالباني وزوجته وأولاده، ومثل تلك الاشتباكات حصلت في مراكز البصرة والنجف، فقد ذكر النائب عن كتلة التغيير الكردية المعارضة هوشيار عبد الله أن قوة من الاتحاد الوطني الكردستاني هاجمت المقر العام لحركة التغيير في المدينة في "تلة زركتة" وأمطرته بوابل من الرصاص الحي. وكشف مصدر مسؤول في المفوضية العليا للانتخابات عن حدوث عمليات "تزوير" جرت في عدد من المحافظات، ووصف الانتخابات بأنها "باطلة". ونقل موقع "السومرية نيوز" عن عضو في مجلس المفوضين (مجلس إدارة) للمفوضية قوله إن "أحد أعضاء مجلس المفوضين بالمفوضية العليا للانتخابات كشف حقائق دامغة عن تزوير الانتخابات والخروقات التي طالتها في عدد من المحافظات". وأوضح المصدر أن "المفوضية فقدت السيطرة بعد تفجر الخلافات داخلها بسبب كشف هذا المفوض لعمليات التزوير وسط تهديدات متبادلة". ولفت إلى أن "عضو المفوضية فضل عدم الكشف عن اسمه في الوقت الراهن على الأقل"، مؤكدا أنه "سيظهر على شاشات الفضائيات في وقت لاحق ليعلن بطلان الانتخابات". أما وزارة الخارجية الأمريكية فدعت إلى إجراء تحقيق فوري وشامل في الشكاوى والاتهامات بحصول عمليات "تزوير" بالانتخابات البرلمانية. فقد ذكرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نويرت لكوردستان 24 على هامش إفادة صحفية عقدتها في واشنطن يوم الخميس الماضي "نتفق مع الممثل الخاص للأمم المتحدة" الذي دعا المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى التحقيق "الفوري والشامل" في الشكاوى والمخالفات التي حدثت. من جانب آخر فقد ذكر وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، أن إيران تحاول التأثير والتدخل في الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في أيار المقبل. وقال في تصريحات للصحفيين، في طريق عودته من جولة طاف فيها على عمان وأفغانستان، والبحرين: "لدينا أدلة مثيرة للقلق على أن إيران تحاول التأثير على الانتخابات العراقية باستخدام المال، وهذه الأموال تستخدم للتأثير على المرشحين والأصوات"، دون أن يذكر أي تفاصيل عمّن تسعى إيران للتأثير فيهم.
أما عن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية فكانت هي الأقل منذ بداية الغزو في 2003 حيث ذكرت المفوضية العليا للانتخابات في مؤتمر صحفي أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 44.5% بالمئة من إجمالي المصوتين. في حين إن مصادر خارج المفوضية ذكرت أن النسبة أقل من ذلك بكثير، فقد كشفت مصادر سياسية بريطانية، الأحد، عن نسبة المشاركة الحقيقية في الانتخابات العراقية، والتي بلغت بحسب المصدر 19.32%. وأشارت تلك المصادر إلى أن تلك النسبة المقررة عالميا من قبل المنظمة الدولية، تعتبر غير شرعية، وعليه تعتبر الانتخابات العراقية بحكم القانون غير معترف بها دوليا لأنها أقل من النسبة المحددة عالميا.والدليل هو ما جرى يوم الانتخاب من عزوف ورفض شعبي واسع، في كل المحافظات العراقية بما فيها السليمانية ودهوك وأربيل، وبالتالي يتبين أن هذا العزوف عن المشاركة، هو رسالة قوية جداً لأمريكا وأذنابها ولإيران، أن الشعب العراقي يرفض الأحزاب التي جلبتها لهم، ويرفض حكومات الاحتلال والمحاصصة الطائفية، التي أوصلت العراق لقاع الحضيض، وأظهرت مستوى الوعي لدى الشارع العراقي، حيث أدى إحباط أهل العراق والفشل والدمار والخراب الذي تسببت به أحزاب السلطة الحاكمة والتي تسمى بـ"الطبقة السياسية" إلى عزوف الكثير من الناس عن المشاركة في الانتخابات، وذلك كون التحالفات التي أعلنتها الأحزاب والكتل السياسية التي أوضحت مدى حرص الأخيرة على مصالحها دون مصلحة الناس، لا سيما وأن جميع الوعود والبرامج الانتخابية السابقة التي أعلنت عنها خلال السنوات الماضية لم تطبق على أرض الواقع، حيث تنكشف وجوه السياسيين الحقيقية بعد الانتخابات، ليس هذا فحسب فقد تأكد لأهل العراق أن نتائج الانتخابات ستكون كما يراد لها، عودة للغالبية العظمى من التكتلات السابقة الفاشلة والطائفية والعنصرية، والغالبية العظمى من الوجوه الملوثة بالفساد الكبير والفشل الأكبر في الأداء، وما قاله الكثيرون من أنه سواء شارك الناس بكثافة أم قاطعوا فإن النتائج محسومة بالتزوير أو باستخدام لعبة (أصوات الخارج)، التي كانت بالأساس قليلة جدا، من أجل دعم المرشحين الذين يفشلون في الحصول على أصوات كافية من الداخل. وبأنها حاجة أمريكية وليست عراقية وتغطية للمشروع "الأمريكي" في احتلال العراق وتدميره، وبأن صناديق الاقتراع تنقل إلى السفارة الأمريكية وهي التي تقوم باختيار من تريده دون النظر إلى ما أفرزته، وهي التي تقرر النتائج النهائية للانتخابات.
فضلاً عن وجود المبعوث الأمريكي ماكغورك داخل العراق لتحديد مسار العملية السياسية للمرحلة القادمة، حتى قبل إعلان نتائج الانتخابات والذي التقى عدداً من القيادات العراقية وقادة الأحزاب، من بينهم زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم ورئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، هذه ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها أمريكا في العراق فقد أسقطت المالكي في 1 نيسان/أبريل 2012 عبر منعه من الوصول مرة أخرى إلى رئاسة الحكومة، وسبق لها وأسقطت إياد علاوي من تشكيل الحكومة بعد انتخابات عام 2010، ومثلما منعت إبراهيم الجعفري الفائز في انتخابات عام 2005. فأمريكا هي الآمر الناهي والمتحكمة بإدارة شؤون البلد دون منازع.
لقد أدرك أهل العراق واقع الانتخابات في الأنظمة الرأسمالية الديمقراطية، وأدركوا أنها لا تُسمن ولا تغني من جوع، فهي في بلاد الغرب الديمقراطيَّةِ تعكس إرادة أصحاب رؤوس الأموال فهم الحكام الحقيقيون، وأما في غيرها من البلاد وخاصة في بلاد المسلمين فالانتخابات إطالة لعمر الفئات الحاكمة المستبدة لمزيد من الفساد وسرقة المال العام وتحقيق مصالح الاستعمار، وأن المنتخَبين مهما كانوا صالحين فإنهم لا يملكون من الأمر شيئاً ولا يستطيعون إيجاد أي تغيير جذري حقيقي، لذلك طفت على السطح ظاهرة ما يسمى "العزوف الانتخابي".
أخيرا نقول إنه لا يتصور خروج المسلمين في العراق وفي جميع بلاد المسلمين من تبعية القرار السياسي للخارج إلا بمشروع حضاري من خارج المنظومة الغربية تتبناه الأمة وتضعه موضع التطبيق والتنفيذ بمساعدة أهل القوة فيها، أي بقيام دولة يكون السلطان الكامل فيها للمسلمين، وهذا لا يكون إلا بدولة ذات شوكة وهيبة تستند في قرارها وسياستها إلى سيادة الشرع وسلطان الأمة دون غيرهما، أي بخلافة راشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ علي البدري
رأيك في الموضوع