(مترجم)
في آب/أغسطس من العام الماضي 2017، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن استراتيجية جديدة تخص أفغانستان وباكستان، تتضمّن ممارسة ضغط أكبر على باكستان من أجل دعم العمليات العسكرية الأمريكية لمكافحة (الإرهاب). وفي مطلع كانون الثاني/يناير 2018، بدأ ترامب السنة الجديدة بانتقاد باكستان واتهامها بمساعدة وتحريض الجماعات (الإرهابية) على أراضيها، في حين نفت باكستان رواية ترامب هذه وأكدت على التضحيات الضخمة التي قدمتها لخدمة الحرب العالمية الأمريكية ضد (الإرهاب) منذ عام 2001. لم تكن باكستان الوحيدة التي انتقدت إدارة ترامب، فقد أقرّ العديد أن موقف أمريكا الخشن يهدد بدفع باكستان إلى مجال النفوذ الصيني، مما يقلل من قدرة أمريكا على مكافحة (الإرهاب).
منذ أيلول/سبتمبر 2001، تبنّت أمريكا استراتيجيات مشوشة تجاه أفغانستان، والعامل المشترك الوحيد بين الاستراتيجيات التي اعتمدتها الإدارات الأمريكية الثلاث المتعاقبة هو الحفاظ على القواعد العسكرية في البلد، من أجل استغلالها للقيام بمهام استطلاعية وعمليات عسكرية خاصة ضد جميع البلدان التي تستهدف أفغانستان. بعيدا عن ذلك، فإنه يمكن تقسيم الاستراتيجية الأمريكية إلى ثلاث مراحل متميزة.
خلال إدارة بوش الأولى، كان تركيز أمريكا على الانتصار الكامل في الحرب الأفغانية، من خلال استراتيجية تتمثل في الإطاحة بطالبان من السلطة وتنصيب حكومة أفغانية بقيادة حامد كرزاي بدعم من أمراء الحرب في التحالف الشمالي؛ وقد لعبت باكستان دورها الكامل في تسيير المحادثات التي أدت إلى اتفاق (بون)، وبمجرد تشكيل حكومة كرزاي الانتقالية، تغيّرت أولويات أمريكا، وركزت واشنطن على التغيير الجديد الذي طرأ على نظام المحافظين الجدد في العراق.
تغيرت استراتيجية أمريكا الأفغانية بسرعة نحو إدارة المواجهة بين المقاومة الأفغانية وسلطة كرزاي، وخلال هذه الفترة التي كان عنوانها "الفوضى الخلاقة" كانت أمريكا سعيدة بحملة باكستان للسيطرة على المسلحين على أراضيها، حتى لا تشكل تلك الحركات تهديدا وجوديا لحكم كرزاي، وهذا التكتيك يشبه الذي حصل في أمريكا الوسطى والجنوبية حيث كان المتمردون والقوات الحكومية مدعومين من قبل أمريكا حتى يقاتلوا بعضهم بعضا، حتى تتمكن أمريكا من السيطرة على البلاد، وكذلك الأمر فيما يتعلق بتمكن أمريكا من مواصلة احتلالها لأفغانستان. بالتالي، فقد لعبت أمريكا جنبا إلى جنب مع ازدواجية الولاء الباكستاني، وكان إطلاع المسؤولين الأمريكيين من خلال باكستان على مجلس شورى طالبان المتمركز في (كويتا) مثالا على هذه الازدواجية.
مع ذلك، كانت إدارة أوباما مشرفة على تنفيذ استراتيجيات عدة، مما أدى إلى استجابة ملتوية؛ ففي بعض الأحيان كانت أمريكا مهتمة بالفوز في الحرب وترفض التفاوض مع طالبان الأفغانية، وفي أحيان أخرى ضغطت على باكستان لملاحقة المقاتلين الأفغان الذين يختبئون في المناطق القبلية والقضاء عليهم، وعندما أدركت أمريكا أنه لا يمكنها كسب الحرب، دفعت إدارة أوباما بعملية السلام من تلقاء نفسها. في نهاية المطاف، قررت إدارة أوباما الثانية التي كانت مشغولة بفشلها في إجهاض ثورة سوريا، قررت الخروج رسميا من الحرب الأفغانية وتركت وراءها قوة رمزية، وقد كانت هذه المرحلة تجربة مهينة للجيش الأمريكي أسفرت عن اتهامات ونزاعات بين الجنرالات العسكريين في واشنطن، ويريد الجنرالات اليوم ممن هم محيطون بترامب، يريدون عكس تلك الهزيمة.
في الوقت نفسه فإن الجيش الباكستاني مؤسسة لا تثق بأمريكا وتقاوم أية محاولة حقيقية منها للقضاء على الملاذات الآمنة للمقاومة الأفغانية المسلحة في باكستان، ويعتمد سلوك باكستان على الاعتقاد بأن علاقات أمريكا الوثيقة مع الهند تتطلب إحياء العمق الاستراتيجي الباكستاني في أفغانستان، لذلك كانت باكستان مترددة كثيرا في التنازل عن أتباعها في أفغانستان، وهذه النقطة أكد عليها بشدة أولسون المبعوث الأمريكي لباكستان في مقال نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) مؤخرا.
بالنسبة للصين، تخشى بكين من تعزّز العلاقات الهندية الأمريكية على الحدود الغربية لها، وبالنسبة للحدود الشرقية للصين، تستخدم أمريكا قضية كوريا الشمالية لتعزيز العلاقات مع دول آسيا الباسيفيك ولنشر أسلحة متقدمة في كوريا الجنوبية وإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع أستراليا واليابان والهند. بناء على ذلك، تشعر الصين بأن أمريكا هي المنافسة لها على كلا الجانبين، وتجد الفجوة بين إسلام أباد وواشنطن فرصة ليحل نفوذها محل النفوذ الأمريكي في باكستان وإعادة درجة من التوازن العسكري في شبه القارة الآسيوية.
إن استعداد الصين لاستبدال الهيمنة الأمريكية بالهيمنة الصينية يجب أن يقابله استعداد إسلام أباد لضمان حدوث مثل هذا التحول، وعلى الرغم من استثمارات الصين في باكستان التي تبلغ قيمتها مليار دولار في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وربط الروبية مع اليوان لتسوية كافة المدفوعات الثنائية، فإن الجنرالات فيإسلام أباد يتخبطون فيما يجب عليهم القيام به.
إنّ حل المأزق الحالي لباكستان ليس في التبعية المستمرة للشروط الأمريكية أو أن تحل محل الهيمنة الأمريكية الهيمنة الصينية... فباكستان بلد نووي قوي يمتلك القدرة على التلاعب بالصين والهند وأمريكا، وبالتالي التغلب على الهيمنة الأمريكية في المنطقة. مع ذلك، فإنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إقامة الخلافة على منهاج النبوة، فتلك أول دولة إسلامية في المدينة المنورة لم تكن راضية على الهيمنة الرومانية أو الفارسية في المنطقة، وتمكنت بنجاح من هزيمة كل منهما والدخول في العصر الذهبي للإسلام.
بقلم الأستاذ عبد المجيد بهاتي – باكستان
رأيك في الموضوع