بدأت العلاقات التركية الروسية بالتوتر إثر إسقاط الطائرة الروسية SU-24من قبل طائرتي F-16تركيتين نتيجة قواعد الاشتباك في 24 كانون الثاني 2015، أعقبها تطبيق روسيا مقاطعةً تجاريةً على تركيا أدت إلى مجموعة من الآثار السلبية في اقتصاد كلا البلدين.
وقد وافق اليوم الذي أُعْلِنَ فيه عن اتفاق تطبيع العلاقات مع كيان يهود في 26 حزيران؛ اليوم الوطني الروسي، فأجرى فيه رئيس الجمهورية أردوغان مكالمةً هاتفيةً مع نظيره الروسي بوتين، وراسل فيه رئيس الوزراء بن علي يلدريم نظيره الروسي مدفيديف، سعياً منهما لتطبيع العلاقات بينهما. وجاء الرد الروسي بالإيجاب سريعاً، وجرى اتصال هاتفي بين أردوغان وبوتين في اليوم نفسه.
كما أصدرت رئاسة الجمهورية التصريحات التالية بخصوص هذا اللقاء: "أكد رئيسنا رئيس الجمهورية والسيد بوتين على أهمية التعاون في مكافحة الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية بالمنطقة إضافةً إلى ضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة إحياء العلاقات الثنائية بين البلدين". من جهته قال بوتين: "الوضع الحالي ليس في مصلحة أي من البلدين. فلا بد من فتح صفحة جديدة. هناك أعمال ينبغي أن تقوم بها تركيا وروسيا في المنطقة".
من ناحيته قدم المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف تصريحات بشأن اللقاء المحتمل بين رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس جمهورية روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين قال فيها: "يبدو أنه من المتوقع أن يتم خلال شهر أو أكثر اتصالات ولقاءات مكثفة لتسوية العلاقات مع تركيا". وفي أعقاب اللقاء الثنائي بين أردوغان وبوتين تحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في فرنسا فقال: "من المحتمل جداً أن يستمر التعاون بين موسكو وأنقرة لحل الأزمة السورية، وأنه ينوي أن يتناول الأزمة السورية مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو خلال اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي بحوض البحر الأسود الذي سيتم انعقاده في مدينة سوتشي الروسية". وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: "تم تكوين مجموعة تعمل مع تركيا في مكافحة الإرهاب. تتكون هذه المجموعة من ممثلين عن وزارة الخارجية والخدمات الخاصة. وقد تم تجميد أعمال هذه المجموعة خلال الأشهر السبعة الأخيرة، لكننا اليوم اتفقنا على تجديدها... ليس لدينا خلاف مع تركيا فيما يخص التفريق بين المنظمات الإرهابية وغير الإرهابية في سوريا... ورغم أن شركاءنا الأمريكيين وعدوا بعض التجمعات فإنهم لا يستطيعون تمييزهم عن جبهة النصرة. فمن يريد أن لا يكون عرضةً للنيران التي تطلقها روسيا وسوريا من الجو عليه أن يبتعد من المواقع التي تتواجد فيها جبهة النصرة. الأمر بسيط لهذه الدرجة. زملاؤنا الأتراك صرحوا بأنهم يدعمون حتماً هذا المنطق".
والتقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع نظيره الروسي في مدينة سوتشي الروسية في الأول من تموز 2016 وتحدث قائلاً: "ينبغي على البلدين أن يتعاونا من أجل حل الأزمة السورية... وإعادة إقامة هذا الحوار مهمةٌ من أجل مستقبل سوريا. لا بد من الهدنة وإيصال المساعدات الإنسانية. الحل السياسي هو أفضل حل للأزمة السورية. كنّا متفقين في موضوع تكامل وسلامة الحدود السورية، والعلمانية والشمولية اللتين ينبغي أن يتحلى بهما النظام الذي سيدير البلاد لاحقاً... كانت لدينا آراء مختلفة حول بقاء الأسد وذهابه... والآن من الصعب القول إننا على الرأي نفسه... إننا نمر بفترة خاصة من فترات التاريخ. نعيش أياماً يتسارع فيها تدفق التاريخ. نواجه تهديدات لم نواجهها من قبل، تهديدات اضطررنا على مكافحتها وحدنا. حدثت انعطافات جادة على الصعيد الإقليمي والدولي".
كان ذلك قسماً من التصريحات التي تم الإدلاء بها من قبل الجهات الرسمية بشأن الفترة الجديدة في العلاقات التركية-الروسية التي بدأت في 26 حزيران. عندما تتم دراسة هذه التصريحات وتحليلها بدقةٍ وانتباهٍ يتضح ما يلي:
- لم تتناول التصريحات الرسمية المسائل التجارية رغم التركيز في الرأي العام على النتائج التي خلفتها التوترات الحاصلة في العلاقات التركية-الروسية على العلاقات التجارية والاقتصادية. وبالتالي فإن السبب الأساسي في إعادة بناء العلاقات ليست الخسائر الاقتصادية والعلاقات التجارية الضعيفة والمتعطلة. فهذه لم تكن سوى مواضيع فرعية تمت إضافتها إلى جانب الهدف الأساسي لخلق تصور مختلف لدى الرأي العام.
- عند النظر إلى تصريحات الجانبين التركي والروسي يتضح بروز المسألة السورية. فالتطورات الجارية الآن في سوريا تزعج وتقلق كثيراً روسيا وكافة دول المنطقة وفي مقدمتها أمريكا. لهذا السبب ترى أمريكا ضرورة حل جميع المشاكل الحقيقية أو الظاهرية بين كل الدول التي تتحرك معها في حل هذه المسألة. فالانتخابات الرئاسية الأمريكية من جهةٍ ووقوعها كلها في طريق مسدود في سوريا من جهةٍ أخرى تسبب لهم توتراً جاداً من حيث عواقب الأزمة السورية. إن المسألة السورية هي أهم عاملٍ يكمن وراء التحسن السريع في العلاقات بين تركيا وكيان يهود، وزوال العلاقات المتوترة مع روسيا، وربما إمكانية فتح صفحة جديدة في العلاقات المصرية-التركية في المستقبل القريب!
غير أن التحسن السريع في العلاقات التركية-الروسية، وتناوله بانسجام، رافقه تزايدٌ في التعاون في مكافحة "الإرهاب". بناء على هذا تم على الفور اعتقال بعض شباب حزب التحرير القاطنين في تركيا وتسليمهم لروسيا. بتعبيرٍ آخر يمكن أن يكون هناك مزيد من الضغوطات على المسلمين الأتقياء والمخلصين والواعين في الأيام المقبلة.
3. هذه الفترة السريعة التي تشهدها الساحة الدولية تشير إلى إمكانية تفعيل خطة جديدة بشأن المسألة السورية. من المحتمل أن تكون لتركيا في هذه الخطة الجديدة أدوار ومهام جديدة. ما من شك أن تحسين العلاقات لم يتم من أجل مصلحة الشعب التركي.
وأخيراً أود أن أقول إن المسؤولين الأتراك الذين بذلوا ما بوسعهم لتحسين العلاقات مع كيان يهود دخلوا الآن في فترة جديدة لمحاربة المسلمين إلى جانب روسيا التي تلقي القذائف على رؤوس المسلمين وتدمر بيوتهم وديارهم والتي لا تعرف حداً في معاداة الإسلام والمسلمين.
بقلم: محمد حنفي يغمور
رأيك في الموضوع