أعلن عن مقتل 44 شخصا وإصابة 239 بتفجيرات نفذت في مطار أتاتورك بإسطنبول يوم 28/6/2016، وهو المطار المعروف بكونه يشكل قلب الصناعة السياحية، فيعد الأكثر نشاطا في العالم، واستخدمه العام الماضي 61 مليون شخص. ولذلك اعتبر الانفجار الأهم والأخطر من بين التفجيرات التي ضربت تركيا منذ عام 2013.
ولا يستطيع المرء أن يتأكد من الفاعل حيث تكال الاتهامات لهذه الجهة أو لتلك، إلا إذا تبناها فاعلوها حقا. ولذلك يمكن أن يشار بأصابع الاتهام بوجود الملابسات والظروف والتصريحات التي تصدر من هنا وهناك ومن له مصلحة بحدوثها، ويجب إدراك أن هناك قوى دولية استعمارية كأمريكا وبريطانيا وإدراك الصراع الخفي بينهما ووجود قوى محلية تعمل لحسابهما. ولا ننسى روسيا التي نفذت اغتيالات لناشطين إسلاميين من آسيا الوسطى والقفقاس يقيمون في تركيا وهي تستخدم عناصر شيشانية تابعة لقادروف عميلها في الشيشان والذي اعترف يوم 10/2/2016 على محطة روسيا 1 بأنه يرسل جواسيس من جمهوريته لاختراق صفوف تنظيم الدولة.
وقد بدأ مسلسل التفجيرات التي بدأت تهز تركيا عام 2013 منذ تفجيرات الريحانية يوم 11/5/2013 وقتل فيها 51 شخصا، واتهمت تركيا النظام السوري بتدبيرها، وكان أردوغان ينادي إلى التدخل البري في سوريا وأمريكا ترفض ذلك. فذهب أردوغان إلى أمريكا والتقى أوباما يوم 16/5/2013 وبعد أن رجع كفّ عن المطالبة بالتدخل.
ومع بداية عام 2015 توالت التفجيرات، فقامت امرأة بعملية انتحارية استهدفت شعبة السياحة باسطنبول يوم 6/1/2015 قتل فيها شرطي واحد، وتبنتها جماعة ماركسية، ومن ثم تفجير سروج يوم 20/7/2015 وقتل فيه 34 شخصا، واتهم تنظيم الدولة بها، وكانت هناك مطالب من قبل أمريكا بفتح قاعدة إنجرليك للانطلاق منها لشن الهجمات ضد الثوار في سوريا، وكذلك إشراك تركيا بالحلف الذي تقوده. وعقب التفجيرات تم الاتفاق يوم 24/7/2015 على فتح القاعدة، وأعلنت تركيا يوم 25/8/2015 اشتراكها في الحلف الأمريكي ضد تنظيم الدولة.
وحصل تفجير بمحطة أنقرة للقطارات يوم 10/10/2015 قتل فيه 102 شخصا، واتهم تنظيم الدولة بها، وكانت هناك ظروف إعادة الانتخابات التي جرت يوم 1/11/2015، وكان عملاء الإنجليز يعملون على زعزعة الأمن والاستقرار لإسقاط حكومة أردوغان، وقد أصيب حزب أردوغان بهزيمة في الانتخابات التي سبقتها بثلاثة أشهر يوم 7/6/2015 ولم تمكنه من تشكيل حكومة منفردا، وأصر على إعادتها لإيصال حزبه منفردا إلى الحكم ولم يرد تشكيل حكومة ائتلافية وربط الأمن والاستقرار بوجود حكومة من حزب واحد، لأن الحكومات الائتلافية كانت سببا في انعدام الأمن والاستقرار، وقد استفاد أردوغان من الحادث وتعاطف الناس معه ففاز بالانتخابات.
وحصل تفجير يوم 12/1/2016 في منطقة السلطان أحمد باسطنبول وقتل فيه 10 من السائحين أغلبهم ألمان، واتهم تنظيم الدولة بتنفيذها، فليس لتركيا مصلحة في حدوثه، وإنما هو يضر السياحة فيها ويجعل البلد غير آمن. وكان كثير من السياح يأتون من روسيا، فمنعتهم حكومتهم من الذهاب إلى تركيا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا. فغضبت روسيا على تركيا كثيرا، وأوقفت حركة التجارة والسياحة وغير ذلك مع تركيا. وكانت هناك مطالب قوية من قبل الروس للذهاب إلى الخارج للسياحة، وتركيا ترحب بهم، وقد أشار إلى ذلك رئيس الوزراء الروسي مدفيديف.
وأما تفجير 17/2/2016 ومقتل 28 شخصا عاملين عاديين في القوات الجوية، وقد حصل على مسافة 400 متر من وزارة الداخلية في مربع رئاسة الأركان بأنقرة، وتبنته مجموعة تابعة لحزب العمال الكردستاني. فقالت الحكومة على الفور إن الفاعل هو حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعمل على تشكيل نوع من الحكم للأكراد في سوريا. ولكن أمريكا قالت إن الفاعل مجهول. وقد رفض حزب الاتحاد الديمقراطي الاتهام، بل اتهم الحكومة التركية بتدبيره. فجاءت هذه التفجيرات أثناء المشادات بين تركيا وأمريكا حول دور هذا الحزب، ورفض الأخيرة لقصفه. ولأول مرة يقوم الجيش التركي يوم 13/2/2016 بقصف مواقع لهذا الحزب داخل سوريا.
وفي يوم 19/3/2016 وقع تفجير انتحاري باسطنبول راح ضحيته 4 قتلى و36 جريحا أكثرهم أجانب، فثلاثة من القتلى و11 جريحا من اليهود، وذلك ضمن قافلة سياح يهود قادمين من كيان يهود، وجاء بعد التفجير الذي حصل في أنقرة يوم 13/3/2016، والذي أودى بحياة 35 شخصا من أهل تركيا واتهمت الحكومة حزب العمال الكردستاني بتدبيره، وقد قامت تركيا بحملة واسعة في مناطق يوجد فيها انفصاليون من أتباع حزب العمال الكردستاني خاصة الجناح الإنجليزي. وانتقدت أوروبا أردوغان بالتضييق على الأكاديميين الذين وقعوا عريضة ينتقدون حملة الحكومة. فتفجير يوم 19/3/2016 كأنه يبعث رسالة للأوروبيين بأن الإرهابيين يستهدفونكم واليهود، وأن الحكومة التركية محقة في الإجراءات التي تتخذها ضد الأكراد الانفصاليين والأكاديميين المنتقدين.
وأما التفجيرات الأخيرة التي حدثت يوم 28/6/2016 في مطار أتاتورك فقد صرح أردوغان عقبها قائلا: "إن الحكومة التركية ستواجه الإرهاب أيا كان من يقف خلفه، وإن تركيا وطن واحد لا يمكن تقسيمه"، فلم يتهم جهة ولم يحدد طرفا. ولكن الأمريكان سارعوا إلى اتهام تنظيم الدولة، فادعى مايكل ماكول رئيس لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب الأمريكي أن "الشيشاني أحمد تشاتاييف الذي شغل منصب مساعد في وزارة الحرب بتنظيم الدولة هو الذي أدار هذا الهجوم"، وقال جون برينان رئيس المخابرات الأمريكية: "هجوم مطار اسطنبول يحمل بصمات داعش"، رغم أن تركيا لم تؤكد ذلك، وعقب ذلك قال أردوغان "إن تنظيم الدولة هو على الأرجح وراء الهجوم". ولم يتبن تنظيم الدولة هذا الهجوم الذي يأتي في ظروف تدعو الحكومة التركية للعودة إلى صفر المشاكل، ويعني ذلك أنها تريد أن تتصالح مع كل الدول التي تخاصمت معها وقد عددها رئيس الوزراء يلدريم بالاسم "روسيا وكيان يهود ومصر وسوريا"، فسوت مشاكلها مع روسيا ومع كيان يهود وتعمل على التصالح مع نظام السيسي بمصر، وقد سرب خبر بأن أردوغان تهاتف مع الطاغية بشار أسد.
وتركيا علمانية تروج لها في البلاد الإسلامية كما نادى رئيسها أردوغان عام 2011 بعد اندلاع الثورات أهل مصر بتطبيق النظام العلماني، وقد قبلت تركيا بمقررات مؤتمر فينّا العام الماضي بالحفاظ على الهوية العلمانية للنظام السوري. وقال الوزير الروسي: "بشكل عام لا توجد بيننا اختلافات حول تصنيف التنظيمات الإرهابية والفصائل غير الإرهابية".
وبدأت تركيا تطلق إشارات تهدد أهل سوريا إذا لم يقبلوا بالحل الأمريكي، حيث بدأت تغلق الحدود في وجههم، فأقامت جدارا مانعا يحول دون دخولهم الأراضي التركية للاحتماء فيها والتزود منها لمواصلة حربهم على نظام الطاغية، ومن ثم إطلاقها النار بشكل متعمد على اللاجئين من أهل سوريا وقتلها 11 شخصا عزلا من بينهم نساء وأطفال. وقد أشاد الطاغية بها حيث تحدث مع تلفزيون أسترالي يوم 1/7/2016 "إن وقف تركيا لإمداد المسلحين وإغلاق الحدود أمام تدفقهم كفيل وحده بهزيمتهم بعد أسابيع أو أشهر في أقصى الحدود".
فاتهام الأمريكان فورا تنظيم الدولة بتنفيذ تفجيرات مطار أتاتورك قبل أن تدّعي تركيا ذلك لافت للانتباه. فأمريكا تريد من أهل تركيا أن يتخلوا عن تعاطفهم مع أهل سوريا وأن يؤيدوا الحملة الأمريكية ضد إخوانهم المسلمين في سوريا والقضاء على ثورتهم، بإظهار أن هذه الثورة خطرة تفرخ الإرهابيين الذين يقتلون أهل تركيا ويضرون الاقتصاد التركي، وأردوغان ينفذ المخطط الأمريكي الخبيث حيث يقوم بالتضييق على أهل سوريا، وقد تصالح مع روسيا التي تنفذ هي الأخرى هذا المخطط منذ أن بدأت عدوانها على شعب سوريا يوم 30/9/2015 بإيعاز أمريكي. وقد دخلت أمريكا كما دخلت روسيا في مأزق وبقيت ثورة الأمة عصية عليهم، فترى أمريكا أنه لا بد من شحن الأمة في تركيا وغيرها ضد هذه الثورة لسحب الدعم والتأييد الذي تتلقاه من عامة المسلمين حتى تبقى وحيدة يسهل القضاء عليها.
إن حجم التآمر على ثورة الأمة في سوريا كبير، وكل القوى الدولية والإقليمية والمحلية بقيادة الشيطان أمريكا اصطفت في صف واحد تحارب هذه الثورة، فما لها إلا الله يحميها ويحرسها ويؤيدها بنصره وبالمؤمنين وهو خير الناصرين.
رأيك في الموضوع