أربع سنوات مرّت على الثورة السورية وقد كُتبت أحداثها في سجل التاريخ بالشهيد تلو الشهيد، وذيلت سطورها ببطولات وتضحيات أعادت للمسلمين ذاكرة أمجادهم المنسية، فظهر خالد والخنساء وأسامة والقعقاع أحفاد وأي أحفاد، كسروا حاجز الخوف، وانخلعوا من ربقة الذل، وصدحت حناجرهم (لن نركع إلا لله)، (هي لله، هي لله، لا للسلطة ولا للجاه) وهم يتلمسون طريقهم مع بدايات ثورتهم المباركة، وهي شعارات رويت ونبتت بدماء أصحابها فضربت جذورها في عمق أرض الشام هذا البلد الطيب ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾، فبالرغم من وقوع سوريا تحت وطأة الكفر خلال الخمس والتسعين سنة الماضية، بدءا من سلخها عن أصلها الذي إليه تنتمي حيث كانت جزءا من دولة الخلافة، لتقع تحت الاستعمار الفرنسي الذي حاول بكل ما أوتي من قوة طمس هويتها الإسلامية، ثم من بعد ذلك أورث هذه المهمة للحكام العملاء الذين كانوا يتقلبون بين العمالة للإنجليز والعمالة لأميركا، حتى استقر الأمر لعميل أميركا في حزب البعث الكافر، المجرم حافظ أسد، ثم من بعده لوريثه في الحكم والعمالة المجرم بشار.
بالرغم من ذلك كله، ما كان لثورة سوريا الشام أن تنطلق إلا من بيوت الله، ليكون أبرز ما يميزها أن لكل جمعة فيها اسما بدءا من جمعة الكرامة في 18 آذار/مارس 2011، لتتلوها جمع كانت أسماؤها مؤشرا واضحا على أثر الفكر الصادق في هذه الثورة المباركة، فكانت جمعة (لن نركع) وجمعة (النصر لشامنا ويمننا) وجمعة (أمريكا ألم يشبع حقدك من دمائنا) وجمعة (لا لقوات حفظ السلام على أرض الشام)، وغيرها من الأسماء الكثيرة التي تدل على أن إسلامية هذه الثورة إسلامية حقيقية، وأن مطالب هذه الثورة ترقّت من مطالب هامشية إلى قضايا مصيرية، فكان هتاف (الشعب يريد خلافة إسلامية) الذي صدحت الحناجر به في كل أرجاء سوريا الشام، فاهتزت له دوائر المؤامرة والمكر، ودقت ناقوس الخطر، ليبدأ مسلسل التآمر على الثورة السورية، بإعطاء المجرم بشار المهلة تلو المهلة ليفتك بأهل الشام، ويصب عليهم أنواع العذابات المتنوعة، ويتراكض عملاء الغرب في الداخل والخارج، والعملاء من العرب والعجم، والأذناب والأتباع، كلهم عن قوس واحدة، ليحرفوا هذه الثورة عن بوصلتها التي بدأت تتجه صوب التغيير الجذري على أساس الإسلام.
وقد حاولت أمريكا والأذناب والأتباع صناعة رأس للثورة ليقودها فبدأت الاجتماعات من أنطاليا إلى بروكسل ثم إلى اسطنبول، فتأسيس المجلس الوطني السوري ليكون ممثلا للثورة، ثم قامت أميركا بتشكيل الائتلاف لعله ينجح فيما أخفق فيه المجلس الوطني، وتسوق المعارضة التي صنعتها للجلوس مع بشار في جنيف الأولى ثم جنيف الثانية، وتمد بشار بالمهلة تلو المهلة، ثم ترسل عميلتها إيران وحزبها في لبنان، ومليشياتها في العراق، ليساندوا عميلها بشار، وتكسر الثورة وتقضي على الثوار، وتستعين بعملائها وعملاء غيرها ومع هذا لم تستطع حتى هذه اللحظة صناعة رأس للثورة، ولم تستطع حتى هذه اللحظة إيجاد بديل لعميلها بشار.
إننا لا نزعم أن أمور الثورة كلها سائرة في طريق مستقيم، وأنها قد عرفت الطريق ولزمته، ولكننا نقول إنه بالرغم من عظم الكيد والمكر وتلاطم الأمواج، وانحرافات هنا وهناك، وبُعد عن الطريق، وتشوّه في الرؤية، ومحاولات لصناعة دولة موهومة وخلافة مزعومة، بالرغم من هذا كله إلا أن الثورة السورية ما زالت تحمل في طياتها أملاً كبيرا للأمة الإسلامية، وفيها من الخير والمخلصين الإخلاص الخالص ما يبقي هذا الأمل حاضرا، وهذا النور بازغاً، وإنه لا تزال الفرصة سانحة للثوار المخلصين في سوريا لتدارك الأمر، وذلك باجتماع الكلمة على إقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، بالطريقة الشرعية التي سار عليها النبي r، وإعادة السلطان للأمة الإسلامية، وإعطاء النصرة لحزب التحرير، فإنهم إن فعلوا ذلك فهو والله عز الدنيا والآخرة ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
رأيك في الموضوع