إنه من المعلوم أن تركيا لا تخرج عن أوامر أمريكا، فقد سبق أن طالبت بالتدخل في سوريا وألحت على ذلك ولكن أمريكا رفضت، فسكتت تركيا عن هذه المطالبة. وقد رعت الائتلاف الوطني السوري صنيعة أمريكا ووافقت على مشروعها بتدريب المعارضة المعتدلة وفشل هذا المشروع، وفتحت لها قاعدة إنجرليك واشتركت معها في التحالف لضرب الثورة السورية بذريعة تنظيم الدولة. وطالبت بمناطق آمنة فرفضتها أمريكا. وعندما بدأت أمريكا تقول ببقاء بشار أسد في المرحلة الانتقالية بدأت تركيا تقول بذلك، فقال الرئيس التركي أردوغان يوم 24/9/2015: "إنه من الممكن أن تتم العملية الانتقالية بدون بشار أسد كما يمكن أن تحصل هذه العملية معه". مع العلم أن أردوغان كان يقول على مدى أربع سنوات بوجوب رحيل بشار أسد ويلح على ترحيله عاجلا ويصفه بأنه قاتل. وذلك يؤكد أن أردوغان يتبع أمريكا، وقد خذل الشعب السوري عندما قال لن نسمح بحماة ثانية، فلم ينجز وعده، لأن إرادته مرهونة بالإرادة الأمريكية.
والسعودبة بحكامها الحاليين بقيادة الملك سلمان آل سعود يوالون أمريكا، وقد قاموا بتنفيذ أوامرها في اليمن، وكذلك شاركوا في تحالفها الدولي ضد الثورة السورية بذريعة محاربة تنظيم الدولة والإرهاب، وضغطوا على الثوار في سوريا حتى يقبلوا بقرارات جنيف1 وهي قرارات أمريكية. وقد بدأوا يخففون من لهجتهم فيما يتعلق برحيل بشار أسد تبعا للسياسة الأمريكية. فقال وزير خارجية السعودية عادل الجبير عقب انتهاء اجتماع وزراء خارجية التعاون الخليجي في الرياض يوم 15/9/2015: "الرئيس بشار أسد فقد الشرعية، ويجب عليه أن يرحل، ولا مستقبل لسوريا بوجود بشار الأسد. الخيار الأفضل لسوريا أن يكون الحل حلا سياسيا مبنيا على مبادئ جنيف1 يؤدي إلى إنشاء سلطة مجلس انتقالي يهيئ البلد إلى مستقبل جديد، وأفضل من دون بشار أسد، والخيار العسكري لا يزال قائما. والمعارضة السورية ما زالت تواجه النظام بفعالية أكثر مع مرور الزمن..". فلم يحدد الوزير السعودي متى يجب أن يرحل بشار أسد فقال إنه من الأفضل أن يرحل، أي أنه يجوز أن يبقى في المرحلة الانتقالية التي طالب بإنشاء سلطة انتقالية حسب الخطة الأمريكية التي يروج لها دي ميستورا ولم يمانع بوجود بشار أسد فيها حسب هذه الخطة ولكنه قال إنه من الأفضل أن تكون من دونه. فضمنيا قال إنه يجوز أن يبقى المجرم في المرحلة الانتقالية حسب الخطة الأمريكية.
فتركيا أردوغان والسعودية سلمان مواليتان لأمريكا، فلا يتصور أنهما سيخرجان على الأوامر الأمريكية وهما يطالبان بتنفيذ المشروع الأمريكي المتمثل بقرارات جنيف1 وتطبيق المرحلة الانتقالية بوجود عميل أمريكا بشار أسد.
ومن هنا فإن تحركات تركيا والسعودية تفهم من هذه الزاوية مهما لعبتا بالألفاظ، وتصريحاتهما في المؤتمر الصحفي المشترك يوم 15/10/2015 عند زيارة وزير خارجية السعودية عادل الجبير إلى أنقرة تؤكد ذلك. وقد خرجا للتو من اجتماعهما مع رئيس الجمهورية أردوغان.
فقال وزير خارجية السعودية "إن المباحثات ركزت على ضرورة إيجاد حل للأزمة السورية يعتمد على اتفاق جنيف1 ورحيل الأسد والحفاظ على سوريا موحدة، بحثنا خطورة التدخلات الإقليمية في سوريا وما ينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة وناشدنا الجانب الروسي العمل معنا لإيجاد حل سياسي للأزمة.. وإن السعودية متفقة مع تركيا على عدم وجود دور لبشار الأسد ضمن الحل في سوريا وعلى دعم المعارضة". وقال وزير الخارجية التركي فريدون سنيرلي أوغلو: "لا بد من دعم المعارضة السورية، وقد أبلغنا الأطراف المعنية بذلك.. إن روسيا ترتكب خطأ بالغا بتدخلها بهذا النحو في الأزمة السورية.. وإنه لا بد من فترة انتقالية في سوريا وفق مبادئ جنيف1، ولن نقبل باستمرار حكم الأسد الذي لا يسيطر سوى على 14% فقط من الأراضي السورية".
فالنظامان التركي والسعودي يعلنان توافقهما في سياستهما بالنسبة لسوريا، ولم يطالبا برحيل الأسد فورا، وذلك تبعا لسياسة أمريكا التي لم تجد البديل فتريد أن تبقي على بشار أسد مرحليا، وقد طالبا روسيا بالعمل معهما لتطبيق الحل السياسي الأمريكي. مع العلم أن روسيا موافقة عليه منذ أن وافقت على مقررات جنيف1 وعلى خطة دي ميستورا. وتدخلها في سوريا بهذا الشكل السافر كان بالتنسيق مع أمريكا وبدفع من الأخيرة حتى تحمي النظام من السقوط بعدما فقد الكثير من سيطرته على الأرض رغم دعم إيران وحزبها في لبنان وأتباعها في كل مكان. وتركيا وافقت ضمنيا على هذا التدخل حيث قامت بالتنسيق مع روسيا فيما يتعلق بالطلعات الجوية الروسية واختراقها للأجواء التركية. وقد حاول رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يوم 6/10/2015 تبرير موقف تركيا الموافق ضمنيا على التدخل الروسي بقوله: "إنه لا يريد أن يتحول الصراع في سوريا إلى أزمة بين روسيا وحلف الأطلسي ولا إلى نزاع بين روسيا وتركيا"، ودعا روسيا للحرب معا ضد تنظيم الدولة. فهو موقف متخاذل وخاذل وخادع لأهل سوريا.
فكان المقصد من زيارة وزير خارجية السعودية لتركيا حتى يقوم النظامان في البلدين بالتنسيق بينهما وتحديد مواقفهما تجاه المستجدات الأخيرة وخاصة التدخل الروسي المباشر، وقد حددا مواقفهما حسب المواقف الأمريكية.
فما اتفقا عليه هو الحل السياسي الأمريكي بعملية انتقالية تنتهي بخروج الأسد من السلطة دون تحديد زمن خروجه، وقد تراجعا عن التلويح بالخيار العسكري، لأن أمريكا تكتفي حاليا بالتدخل الروسي ولترى عما سيتمخض، واتفقا على دعم المعارضة السورية.
ودعمهما للمعارضة السورية لجعلها تقبل بما يقبل به هذان النظامان المتآمران على الثورة السورية، فلا يمكن أن يتصور أنهما يدعمان فصيلا يرفض مقرارات جنيف1 ويرفض المرحلة الانتقالية وفكرة التفاوض مع النظام، ولذلك رأينا الفصائل السورية المسلحة التي تقع تحت تأثيرهما من جراء تلقي المساعدات والتسهيلات منهما تصدر بيانات مشتركة بقبول جنيف1 والتفاوض والمرحلة الانتقالية. وإذا قاما بدعم فصيل يعني ذلك أنهما يريدان ترويضه حتى يقبل بكل ذلك، ويتخلى عن فكرة إسقاط النظام وعن فكرة الخلافة، ولا مانع لديهما أن يقول بوجوب رحيل بشار أسد، لأن ذلك أصبح موضوعا عائما غامضا، ولأنه لا فائدة من ذهاب الأسد سواء عاجلا أم آجلا إذا لم يسقط النظام بكل أركانه ومؤسساته وارتباطاته وأسسه وأفكاره وأشكاله من جمهورية وعلمانية وديمقراطية، ويقام مكانه نظام على أساس الإسلام بدستور منبثق من كتاب الله وسنة رسوله متجسدا في خلافة راشدة على منهاج النبوة، وإلا سوف يكون نظاما يساوي نظام بشار أسد إن لم يكن أسوأ منه، لأن أمريكا جربت ذلك في مصر وأتت بحكام أسوأ من حسني مبارك.
وكل ذلك يرينا أن شعبا مسلما كأهل سوريا إذا أصر على مبدئيته فإن إرادته قادرة على قهر أعظم دولة في العالم ولو تكالبت معها كل القوى الدولية والإقليمية، فعلى الفصائل التي وقعت تحت تأثير السعودية وتركيا أن تعود إلى صوابها وتقطع الحبال معهما وتمسك بحبل الله وحده، لأن هذه الفصائل ستستخدم مرحليا كما حصل في مصر ومن ثم تلفظ، وربما تسجن أو تقتل، لأن أمريكا وأحلافها لن ترضى عمن لديه أدنى إخلاص للإسلام.
رأيك في الموضوع