استبشر الشعب التونسي خيرا حين سقوط نظام بن علي واعتبره نصرا وفتحا مبينا، خاصة لما أصدرت حكومة محمد الغنوشي بيانا تلغي فيه قانون مكافحة الإرهاب المؤرخ 10/12/2003 وإصدار عفو تشريعي عام عن كل من حوكم باسم هذا القانون.
بارك هذا الإجراء الأوّلي كل الساسة وأطياف المجتمع المدني معتبرين أن زمن الدكتاتورية المسلط على رقاب الشعب لعقود من الزمن قد ولى وانتهى بدون رجعة وتونس الغد ستكون نموذجا يقتدى به في "الديمقراطية والحريات والكرامة"، ولكن تجري رياح الساسة بما لا يشتهي الشعب المغلوب على أمره وتدور رحى "الديمقراطية المزعومة" ويدور حولها كل المضبوعين بها حيث دارت.
فبسبب عدم استقرار نظام الحكم والحكام نتيجة تكالبهم على كرسي قرطاج وصراع الأحزاب المعارضة إضافة إلى اتخاذ القوى الاستعمارية تونس مسرحا للصراع وبسط النفوذ ونهب الثروات؛ دخلت البلاد منعرجا خطيرا بسبب الأزمة السياسية المتواصلة والاحتجاجات الشعبية في كل المدن واعتصام كل القطاعات الحساسة وكثرة الأعمال الإرهابية التي طالت المؤسسة العسكرية والأمنية والقطاع السياحي وشخصيات سياسية. فظهرت تونس على حقيقتها على عكس ما يسوقونه من نجاح التجربة الديمقراطية والانتقال الديمقراطي، فسارع الناعقون والمضبوعون بالنظام الرأسمالي بعد فشلهم وإفلاسهم سياسيا إلى تفعيل قانون الإرهاب كأسلوب لاستقرار البلاد. وكأنه العصا السحرية التي ستعيد الأمن والأمان وتحقق التوازن الاجتماعي والاقتصادي... متناسين أو غافلين أن هذا القانون وحده كان كفيلا بالإطاحة بطاغية تونس وزمرته ونظامه، فتقرر يوم الأربعاء 22 تموز/يوليو آخر اجتماع لنواب مجلس الشعب للمصادقة على مشروع قانون الإرهاب، هذا مع العلم أنه وقبل يومين من ذلك اجتمع راشد الغنوشي مع نواب النهضة ليكون القرار موحدا وكان له ذلك. حيث صادق مجلس النواب على 13 فصلا من مشروع قانون الإرهاب باستثناء الفصل 3 و7 على أن تتم المصادقة على فصول المشروع الخميس 23 تموز/يوليو، وفي ساعة متأخرة من ليلة 25 صادق مجلس نواب الشعب على قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال. وقد صوت لصالح القانون 174 نائبا مع احتفاظ 10 نواب بأصواتهم ودون معارضة، ومن أبرز المتحفظين النائب عن حركة الشعب سالم لبيض حيث أكد أن ثغرة في قانون مكافحة الإرهاب تركت "عن غير حسن نية" حيت تم تقديم قانون مكافحة الإرهاب للنواب يوم مناقشته ومنهم من لم يتمكنوا من الاطلاع على مضامينه ولم يتسن لهم قراءة القانون. والغاية من هذا الإجراء هو عدم تعريف الإرهاب والإرهابي مما سينجر عنه خلط في السلوك الاجتماعي والمطلب الاجتماعي والسلوك الإرهابي. بمعنى أن كل سلوك يصطدم مع الدولة في شكل اعتصام يمكن محاكمته بقانون الإرهاب، ويركز على تتبع أفراد الشعب على أساس الشبهة مما ساهم في ملء السجون في فترة حكم بن علي. كما أن فيه جانباً غير واضح حيث لا يدين الأحزاب السياسية التي تتلقى أموالا من جهات أجنبية والسكوت على الدول الأجنبية التي تغذي الإرهاب وتقف عليه وترعاه.
كما حذرت جمعية القضاة من ألغام قانون مكافحة الإرهاب منبهة إلى أهمية تجاوز الثغرات التي شابت قانون 2003 والذي لاقى معارضة وانتقاداً من كل الحقوقيين والمنظمات الدولية والوطنية المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي استغله النظام السابق لقمع الحريات وانتهاك الحقوق.
إن المصادقة على قانون الإرهاب وصمة عار في جبين تونس وستظل لعنته تلاحق من أقره وصادق عليه إلى يوم الدين. فمثل هذا القانون الذي يكمم الأفواه ويسلب الحريات ويجفف المنابع ويرهب الكبير قبل الصغير ويضيق على الأفراد والذي امتلأت بسببه سجون بن علي كان وحده كفيلا لاندلاع البركان الذي ظل خامدا لعقود من الزمن ليطيح بأكبر طاغية على وجه الأرض وتنطلق شرارته ليصل إلى الشام مرورا بحكام ليبيا ومصر واليمن وبقية من يتبجح به ويراه الحل الأنسب لسيرورة وديمومة أنظمة الحكم الجبرية.
ولعل ما ذكره أحد الحقوقيين حين صرح بالقول "إذا كنا نرى أن قانون - الإرهاب لسنة 2003 "أفضل" و"أعقل" من قانون 2015، فإننا بذلك لا نبيض الدكتاتور الانقلابي بقدر ما نسود وجوه "المناضلين" و"الإسلاميين" و"الحقوقيين" و"الحداثيين" الذين طالما انتقدوا القانون السابق ووصفوه "بغير الدستوري" و"المفروض من الخارج" و"الظالم" فلما انتخبهم "الشعب" خانوا، وكانوا "أسوأ خلف لأسوأ سلف".
وجوه سوداء وقلوب سوداء وصفحات سوداء، ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾.
وأخيرا لا نقول إلا ما قاله القوي العزيز الجبار المتكبر ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾
بقلم: سالم الهوام
رأيك في الموضوع