في 14 حزيران/يونيو 2023، أعلنت الحكومة الأسترالية، من خلال المدعي العام الفيدرالي، عن مزيد من "الإصلاحات" لقانون مكافحة الإرهاب. ومشروع القانون الجديد يضيف إدراج جرائم جديدة إلى "مواد التطرف العنيف عبر الإنترنت" ومشاركتها، ويوسّع تعريف الجريمة المتعلقة بـ"الدعوة إلى الإرهاب" ليشمل مجرد "التخويف" حتى تجاه دولة أجنبية. والنقطة المحورية لهذا التشريع الجديد؛ أن عرض الرموز النازية ورموز تنظيم الدولة الإسلامية علناً أو التجارة في الأشياء التي تحمل هذه الرموز يعتبر جريمة جنائية.
وقد كانت هناك بعض الإشارات في الأسابيع الأخيرة إلى أن مثل هذا التشريع كان على وشك تقديمه، على الرغم من أن جميع التعليقات ركزت على الرموز النازية، وكانت هناك حالات قليلة في أستراليا حيث كانت مجموعات البيض تستعرض علناً العلم النازي الذي يحتوي على الصليب المعقوف، وقد عُرضت الرموز في بعض الأحيان بالقرب من المعابد، وأظهر حادث مجموعة من الأستراليين يحملون العلم النازي ويهددون بالعنف ضد اليهود في أستراليا. وتقول الحكومة إن التشريع يهدف إلى الحفاظ على "مجتمع أستراليا المتناغم والمتعدد الثقافات والديمقراطي" من خلال حظر "رموز الكراهية والعنف والعنصرية".
لقد كانت مفاجأة للكثيرين، لا سيما في ظل عدم وجود مؤشرات حديثة، على أن ما أشارت إليه الحكومة باسم (علم الدولة الإسلامية - إشارة إلى العلم الذي يستخدمه تنظيم الدولة) قد تم تضمينه أيضاً على وجه التحديد في الحظر المقترح، والأكثر دلالة هو الإشارة إلى أن ما تم حظره أيضاً هو أي رمز "يشبه إلى حد بعيد علم تنظيم الدولة الإسلامية... أو يمكن الخلط بينه وبين العلم".
ومعلوم أن العلم الذي يستخدمه تنظيم الدولة يحتوي على رموز عزيزة على المسلمين، حيث يحتوي على كلمة التوحيد في تصوير خاتم النبي ﷺ مرسوم على خلفية سوداء، وهو اللون نفسه الذي استخدمه سيدنا محمد ﷺ. فقد روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ» وفي رواية أخرى عنه رضي الله عنه: «كَانَ مَكْتُوباً عَلَى رَايَتِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ».
إن ما أشارت إليه الحكومة من خلال تضمين الراية المكتوب عليها كلمة التوحيد، هو أنه يمثل أيضاً كل الأشياء التي يتهمون بها العلم النازي، وهذه تهمة من الواضح أن المسلمين سيستنكرونها بأشد العبارات.
إن الذرائع التي تستخدمها الحكومة هي لتبرير الحظر المعيب، في سياق قيمهم الخاصة، وقد جادل العديد من الخبراء في القانون بأن مجرد وجود آراء سياسية أو دينية مرفوضة ليس سبباً كافياً لتحرك الشرطة أو وكالة المخابرات، وعلى المرء أن يثبت أن عتبة التصرف بناءً على تلك المعتقدات بطريقة عنيفة قد تم تجاوزها. وعلاوة على ذلك، لا يمكن استقراء استخدام رمز في أعمال إرهابية من مجموعة صغيرة ليعني أن هذا هو الاستخدام الوحيد للرمز، خاصة إذا كان هذا الرمز مستخدماً بشكل شائع من الآخرين، والمفارقة بالطبع هي أن العلم الأسترالي أو الرموز الأسترالية الأخرى مثل الصليب الجنوبي قد ارتبط بالتطرف والعنف والعنصرية، ومن المثير للاهتمام أن هناك حكماً في مشروع القانون ينص على أنه إذا تم استخدام الرمز لأغراض دينية، فإن الحظر لا ينطبق عليه، والمثال المذكور في البيان الصحفي للحكومة وفي التشريع هو مثال الصليب المعقوف ذي الأهمية الروحية للأديان مثل الهندوسية والبوذية، ولكن لم يكن هناك ذكر أو دفاع ينطبق على الإسلام والمسلمين، ولذلك ظل من غير الواضح ما إذا كان هذا التبرير مناسباً للمسلمين، حيث النفاق هنا صارخ.
وما يحدث في الواقع هو أن حكومة حزب العمال، التي تقدّم نفسها على أنها "صديقة للمسلمين"، تبدأ من حيث توقفت حكومة المحافظين السابقة؛ أي استمرار سياسات "الحرب على الإرهاب" التي يعلم الجميع أنها حرب على الإسلام والمسلمين، وكانت هناك ضغوط في أجزاء أخرى من مشروع القانون ضد رفع وتبني راية الرسول ﷺ، لأنها تدل على تحد سياسي وعقدي للنظام العالمي الرأسمالي والعلماني الحالي الذي تقوده أمريكا. ونظراً لكون أستراليا تدور في فلك أمريكا فقد اتبعت بشكل أعمى وتبنت أجندة "الحرب على الإرهاب" خلال العشرين عاماً الماضية أو نحو ذلك، وقد عقدت الدول الغربية العزم على احتواء المسلمين في بلادها بحيث يصبحون منفصلين عن بقية الأمة. وتستخدم هذه الدول أحياناً القوة الناعمة من خلال تشجيع الجالية المسلمة على تحديد "إسلام تحت عباءة أستراليا" وتزويدهم بالموارد والمواقف لحثهم على هذا المسعى، وفي بعض الأحيان تستخدم الحكومة القوة الصارمة مثل قوانين "مكافحة الإرهاب" الموسعة والدعاية السلبية المرتبطة بها، وينبغي النظر إلى اقتراح حظر الراية في ضوء ذلك، وهو: سلخ المسلمين في الغرب عن القيم الإسلامية وعن واجب قيادة الإنسانية بعدل الإسلام ورحمته من خلال قيام الكيان الإسلامي السياسي، الخلافة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ محمد الأيوبي – أستراليا
رأيك في الموضوع